samedi 7 janvier 2017

ابستيمولوجيا و تعلّمية التّاريخ لطلبة السّنة الثّالثة من الإجازة


 
ابستيمولوجيا و تعلّمية التّاريخ
لطلبة السّنة الثّالثة من الإجازة
)السنة الجامعية : 2016 – 2017)

درس الأستاذ مختار العياشي
كلية الآداب والفنون والإنسانيات – منوبة
معهد التربية والتكوين المستمر – باردو
دار المعلّمين العليا - تونس
فهرس الدّروس

I  - ابستيمولوجيا التاريخ
1 – مدخل عام إلى علم التاريخ ومدارسه
2 – مدخل إلى ابستيمولوجيا التاريخ
II - تعلّمية التاريخ 
1 – الاتجاهات الكبرى في تعلّمية التاريخ
2 – التاريخ ومنهجيّة تدريسه
3 – الحدث والرواية واستعمالهما في التّاريخ
4 – الزّمن والتّحقيب واستعمالهما في التّاريخ
5 – بناء المصطلح واستعماله في التّاريخ
6 – التّعلميّة و التّراث التّربوي من خلال تجربة متحف التّربيّة

III  - أنشطة تقويميّة في تعلّميّة التّاريخ
1 – الإبستيمولوجيا والتّعلّميّة والبيداغوجيا والمقاربة النّقديّة في التّاريخ
2 – منهجيّة التأليف في ابستيمولوجيا و تعلّمية التّاريخ

IV  - وثائق ملحقة

 
  
I  - ابستيمولوجيا التاريخ
1 - مدخل عام إلى علم التاريخ و مدارسه
 *  الأهداف التّعلّميّة :
- التعرّف على مفهوم علم التّاريخ و طرقه و مناهجه و أهدافه.
- الاطّلاع على أهم المدارس التاريخيّة و مدى مساهمتها في تحليل الأحداث و تفسيرها (عبر مختلف الحقبات التّاريخيّة).
التّخطيط العام :
1) -   علم التاريخ و آليّات كتابته
- مفهوم التاريخ و التأريخ.
- وظائف دراسة التاريخ
- التاريخ و الحضارة الإنسانيّة.
- تطوّر صناعة التاريخ الإسلامي و مصادر التّدوين.
- مناهج بعض المؤرخين المسلمين في كتابة التاريخ ( الطبري، الكندي، ابن خلدون).
- المنهج التاريخي في التفكير و العلوم الرّديفة لمادة التاريخ.
- المنهج التاريخي في البحث.
2) – أهم النّظريّات في تفسير التّاريخ ( أو أهم المدارس التّاريخية)
- نظريّة ابن خلدون في التاريخ.
- نظريّة التطوّر التّاريخي(ق 17 و18).
- نظريّة هيقل والفلسفة الماديّة للتاريخ (أو الماركسيّة و التاريخ).
- نظريّة توينبي وشبنقلر في تفسير التّاريخ. 
- أهم المدارس التّاريخيّة الحديثة و المعاصرة و تطور علم التّاريخ
_________________

1) - علم  التّاريخ  وآليّات كتابته :
        لا يحتاج مدرس التاريخ إلى جمع المعلومات التاريخيّة فقط بل إلى إيجاد و تحديد مصطلحات تاريخية يستطيع تفسير الأحداث بها و تنميّة مهارات التفكير و البحث وربط التاريخ بالحضارة الإنسانيّة و كذلك التفّطن (بواسطة الفكر النّقدي) إلى ما يشوّه التّاريخ من بعض القراءات التي تعتمد في تحاليلها اللّاموضوعيّة بارتباطها ببعض الإيديولوجيّات والمصالح المعاديّة لبعض الدّيانات و الثقافات أو الشعوب أو الأقليّات عموما.

       فلا يجب أن ننظر إلى التّاريخ من زاوية الإخبار فحسب بل نخضعه إلى مجهر النّقد     و التحليل حتّى نقترب أكثر من الحقيقة النّسبيّة. فالتّاريخ مثلما يقول ابن خلدون "في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق"... لم يعد التاريخ إذن بمثابة القصّة أو الرواية تتناول سرد الأحداث وتمجيد الأفعال البارزة أو البطولات ولم يعد فرعا من فروع الأدب يدرّس للتّسلية   والإمتاع، فقد أصبح التّاريخ علما وفنّا في آن واحد يبحث في الوصول إلى الحقيقة التاريخيّة متميزا عن التأريخ. فما هو أولا المفهوم المتداول للتّاريخ ؟
أ - مفهوم التّاريخ و التّأريخ ووظيفة دراسته:
تعني كلمة" التاريخ" البعد الزّمني (اللّفظة اللاّتينيّة La durée) وهي من أصل يوناني     وتفيد "طلب المعرفة و البحث و تقصّي الأنباء و الأخبار". ومع مرور الزمن أصبح المعنى المتداول على الوقائع و الأفعال الماضية ويدل أيضا على فنّ كتابة التّاريخ أو صناعته (بإعادة تركيب الماضي). كما تفيد لفظة التاريخ نقيض ما قبل التاريخ أي الفترة التي تمتد إلى 60 قرنا عندما عرف الإنسان الرموز الكتابيّة أو "التصويريّة". ما قبل ذلك التاريخ لم تتوفّر المصادر أو الآثار المنقوشة. فهي فترة ما قبل التاريخ.

      فمعنى التاريخ هو إذن مجرى الأحداث من أعمال ومنجزات كما وقعت في الماضي وتدوين ذلك وتفسيره وتحليله يعتبر تأريخا. و يعنى تناولنا للتاريخ البحث في الذاكرة الحيّة للإنسان، من أعمال وأفكار ومشاعر وإنجازات وتطوّر المجتمعات التي كونها وتفاعلها مع غيرها من المجتمعات المعاصرة لها. فالتاريخ هو ذاكرة الإنسان المرتبطة بماضيه وإحساسه. وهذا الارتباط بالماضي له تفاعل مع الحاضر،هذا الحاضر الذي بدوره يصنع التّاريخ.

     إن الأشياء التي تهم التّاريخ زيادة على الأحداث السّياسيّة أو الحربية هي مسبّباتها (مصدرها) انطلاقا من الجوانب الاقتصادية والاجتماعيّة والإداريّة (أي الماديّة) والعلميّة والفكريّة للمجتمعات. والأحداث التاريخيّة لا تعني النخبة فحسب، بل وخصوصا الجماعات لمعرفة حركيّة الحياة لديها وتطلّعاتها وآمالها. فالتّاريخ يمثل سجلاّ لتطوّر المجتمعات أوالمجتمع البشري بأسره.

        أما "التأريخ" فهو يتناول كيفيّة تدوين وتفسير التّاريخ. فهو علم يبحث في حياة الإنسان عبر الزمن والمجال. هو فرع من العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة يبحث في المعلومات عن الماضي يجمعها ويسجلّها ويفسّرها بتسلسل وتعاقب لمعرفة نوعيّة التّطور الذي طرأ على حياة الشعوب والأمم وكيفيّة وسبب حدوثه. ولا تقتصر مهمّة المؤرخ هنا على وصف الماضي بل تحليله وتفسيره لمعرفة حقائقه (علاقة النتيجة بالسبب الأصلي).

وقد اهتمّت الحضارات القديمة مثل البابليّة والأشوريّة والصّينيّة بفنّ تدوين التّاريخ وطوّر اليونانيّون التأريخ واشتهر عدد من مؤرخيهم أمثال هوميروس وهيرودرت وتيوسيديس وبوليب. كما تقدّمت الكتابة التأريخيّة تقدما هامّا عند المسلمين، لكن التّصور الملحوظ بالنّسبة لتاريخ التأريخ   (Historiographie) يعود إلى الأديان التّوحيديّة الثلاثة التي أحدثت ثورة في تعريف التأريخ   والتي ربطت الحركة التّاريخيّة بالحركة الكونيّة وبالإله، نابذة بذلك الثقافة الوثنيّة التي تلصق بالتّاريخ عوامل لا موضوعيّة مثل المفاجأة والغموض والحظـّ والتّبعثر.

     فأكسبت الأديان الثلاث التّوحيديّة التّاريخ بداية ونهاية بربطه بمغزى الحياة. لكن التأريخ السّياسي والعسكري للإمبراطوريات والقادة قد انفرد بالكتابة دون غيره حتّى نهاية العصر الوسيط الغربي أو الإسلامي الشرقي، حيث اهتم عبد الرحمان ابن خلدون بالتطرق إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصاديّة والثقافيّة في تاريخ بربر شمال إفريقيا في مؤلفه "كتاب العبر وديوان المبتدأ و الخبر في أيّام العرب و العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر". ومن هنا، أي في بداية العصور الحديثة، أصبح التأريخ يتدرّج نحو اكتساب منهجيّة علميّة تسمّى بالمنهجيّة التأريخيّة، وبدأ إذن لعلم التأريخ الحديث العديد من المدارس الفكريّة وبدأ التّخصّص في دراسة الفترات التّاريخيّة وتصنيفها (حسب المدارس الغربيّة) إلى التّاريخ القديم، التّاريخ الوسيط (الغربي)[1]، التّاريخ الحديث والتّاريخ المعاصر[2] يبرز شيئا فشيئا وبدأ علم التأريخ يستفيد أيضا من عدد من العلوم الاجتماعيّة والإنسانية الحديثة ويستعملها في محاولة استكشاف خفايا الماضي.

      هكذا إذن، أصبح علم التّاريخ جزءا من العلوم الاجتماعيّة التي تبحث في ذاكرة الإنسان     والأمم (على غرار العلوم الأخرى التي تبحث في سرّ الطبيعة) لتفسّر أسباب معطيات الحاضر   ولتسلّط الأضواء على التّوقعات المستقبليّة طموحا ولما له في التّخطيط لها. فرصيد الخبرة المخزون بالذاكرة الحيّة يحمي الإنسان من تجدّد أو إعادة الكوارث. إذ أن التّاريخ لا يعيد نفسه إلاّ على من لم يتّعظ به، وان أعاده، مثلما يِكده ماركس، "فهو في شكل مهزلة"...
   ب - وظائف دراسة التّاريخ :
منذ قديم الزّمان شعرت المجتمعات الإنسانيّة بأهميّة التّأريخ إذ أن الإنسان بطبيعته مهتم بماضيه الذي يمثّل ذاكرته الحيّة. وهذا الاهتمام بالماضي يفسّر ظهور التّأريخ كفرع من فروع المعرفة الإنسانيّة منذ العصور القديمة. فالحاجة لدراسة التّاريخ لها وظائف وأهداف شعوريّة عدّة ، منها :

*الوظيفة التربويّة التي تتمثل في حبّ الاطّلاع بكشف خبايا الماضي ومعرفة أسراره لمحاولة فهم الحاضر (كنتيجة لعوامل ماضيّة) وتوقّع المستقبل. كما يتمثل هدف التأريخ ودراسته في إشباع ميول البحث في الذاكرة الجماعيّة، لأنّ ذلك يثير وجدان الإنسان وأحاسيسه ويغذي خياله وينمّي مهارات التفكير العلمي والتحليل النّاقد والربط بين الأسباب والنّتائج.
* الوظيفة الاجتماعيّة المتّصلة بالجذور التّاريخيّة وبالانتماء إلى الأرض و الوطن وإلى الأمّة،
* الوظيفة الفكريّة الثقافيّة التي تتمثل في محاولة تفسير الحاضر كنتيجة لمعطيات تاريخيّة سابقة للتّمهيد لمستقبل منتظر. فبدراسة الماضي نستطيع فهم الظواهر السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية والثقافيّة التي هي امتداد لماضي مستمر. وتمثل الهدف الفكري و الثقافي من دراسة التّاريخ في إدراك حقيقة التّغيير ومغزاه وهو أمر حتمي يمسّ المجتمعات في مظاهر حياتها السّياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والتّكنولوجيّة.

* الوظيفة الإنسانيّة العالميّة: إن دراسة التّاريخ تمكن من إدراك القضايا العالميّة المعاصرة     وارتباطها ببعضها وبأهميّة التّضامن بين الشّعوب في سبيل تحرّرها وفي سبيل التّعايش السّلمي والسّلوك الحضاري بين الأمم لخير الإنسانيّة.
ج - التّاريخ والحضارة الإنسانيّة :
    إن الإنسان هو صانع تاريخه وصانع حضارته ويرتبط تاريخه ببعض المصطلحات مثل الحضارة والمدنيّة والثقافيّة. فما هو أولا تحديد هذه المصطلحات[3] (أي الكلمات المفاتيح) ؟

     * مصطلح الحضارة : يعني "التّحضّر" من خلال القاموس "التّمدّن" و الحضارة هي مظاهر الرقي العلمي والفنّي والأدبي والاجتماعي في الحضر. ويعدّ عبد الرحمان ابن خلدون أول من تطرّق لموضوع الحضارة بين المؤرخين العرب والمسلمين ويعدّ كذلك رائد علم الاجتماع بتركيزه على علاقة الريف بالمدينة (من خلال علاقة العمران البدوي والعمران الحضري) وعلى مراحل تطور الحياة الجماعيّة والماديّة. وهنالك العديد من التعريفات الأخرى والحديثة لمفهوم الحضارة الإنسانيّة والتي تربطها بعمليّة التّقدّم والتّطوّر ويختلف الكثير من المفكرين العرب و الغربيين حول معنى الحضارة التي نستطيع تلخيصه في المصطلحين الأساسييّن :

   * المصطلح الأوّل وهو الذي يستعمله المؤرّخون ويعني مجموعة الإنجازات التي يحقّقها شعب من الشعوب في النّواحي السّياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمرانيّة والفنيّة خلال فترة معيّنة وفي مجتمع ما.
  * المصطلح الثاني الذي يستعمله علماء الاجتماع وهو مرادف لكلمة الثقافة بوجه عام أي درجة التّقدّم المعنوي والمادي.
  * مصطلح المدنيّة : تعني المدنيّة، من حيث الأصل اللّغوي ،الانتساب إلى المدينة وهي جزء من الحضارة ككل والحضارة في الحقيقة تتميّز عن المدينة التي تتعلّق خصوصا بالجوانب الماديّة من حياة المجتمع. وإذا افترضنا أن لكل مجتمع حضارته التي هي تراثه أو مجموع قيمه العليا ومنجزاته فمدنيّته بالخصوص هي وسائله في واقع حياته وتعني مظاهر تقدّمه التكنولوجي ونشاطه المادي ومعرفته التّطبيقيّة وهو مفهوم مرتبط باستقرار الإنسان في تجمع سكني هام وهو المدينة. فالمدنيّة هي إذن جزء من الحضارة بالمعنى الشامل.
·        مصطلح الثقافة : تعني كلمة الثقافة الحزم والفطنة وحذق المعارف وصقل المواهب وتشمل الثقافة الجانب المعرفي والجانب السلوكي والأخلاقي المتصل بالتراث المنتمي إليه. فهي كل ما صنعه الإنسان في بيئة خلال تاريخه الطويل في مجتمع معيّن. وبمعناها الواسع والشامل هي التراث الاجتماعي البشري الذي تراكم خلال الأجيال المتعاقبة. فالثقافة هي إذن مثل التمدّن جزء هام من الحضارة التي تتم من خلالها علاقة الإنسان بالتّاريخ لكن ما هي علاقة هذه المصطلحات بتاريخ الإنسان ؟
·        علاقة الحضارة والمدنيّة والثقافة بتاريخ الإنسان :
          إن التاريخ هو أيضا السعي لإدراك وإحياء أحداث الماضية المتعلقة بالإنسان وعلاقة الحضارة بهذا التاريخ (أي تاريخ الإنسان). وتعني طبعا إنجازات الشعوب المختلفة في جميع نواحي الحياة في العصور المختلفة. فبدراسة حضارات الإنسان ومدنيّاته وثقافاته نستطيع أن نعرف كيف استطاع أن يكّون تلك الإنجازات التّاريخيّة. وتمثّل هذه المكتسبات التّاريخيّة من حضارة ومدنيّة وثقافة جملة التاريخ الإنساني نفسه، أي كل منعرجات الماضي البشري.

        هنالك جدليّة كبيرة بين التّاريخ والحضارة الإنسانية التي تمثل تربته الخصبة وميدان معالجة افتراضات المؤرخين. فإن كانت الحركة التاريخيّة تعني التّسلسل التاريخي نفسه لشعب من الشعوب أو للإنسانية ككل ابتداء من زمن معيّن إلى زمن آخر، فالحركة الحضاريّة تتمثل في المدّ والتّراجع في كلّ أجزائها أو في البعض منها. فلكل من الحركتين ، في الحقيقة منهجا خاصا في الدّراسة.
·      منهج الدّراسة التّاريخيّة ومنهج الدراسة الحضاريّة :
       قبل أن نتناول علاقة الحركتين ببعضهما البعض يجب القيام بمقارنة لمنهجيهما. فبينما تختصر الدراسة التاريخيّة على جانب واحد من جوانب النشاط الإنساني في زمن معيّن (مثل الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الروحي أو الفكري أو الفلسفي) لعصر معيّن تتناول الدراسة الحضاريّة كل جوانب حياة المجتمع. فالنظرة الشموليّة تهدف إلى التّرابط والتّبادل بين جوانب الحضارة المختلفة كالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، لكن القيمة الأكاديمية للبحوث في الحضارة هي محدودة جدّا بسبب كثرة هذه الطموحات الشّموليّة  وعدم استطاعة التّوغّل في بعض الجزئيّات التي تمثل أهميّة بالغة في فهم المسّببات وتقييم الأهداف والنتائج ومعرفة الأبعاد. 

     فإن لغزارة المادة من ناحيّة ولتشابك العوامل من كل الزّوايا تجعل دارس التّاريخ يختار نقطة معيّنة لتسليط الأضواء عليها بدقة تاركا لغيره من المؤرخين من ذوي الاختصاصات الأخرى إمكانيّة إنارة بعض الزوايا الأخرى. لكن بتعدّد الدراسات التأريخيّة المتخصّصة يمكن تعميم المعرفة الدقيقة ويمكن أن تشمل كل ميادين الحياة الاجتماعيّة والإنسانيّة في كل العصور.

         أمّا دارس الحضارة فهو لا يقبل هذه المنهجيّة (منهجيّة التّخصّص) ويفضّل منهج التّلخيص لتحقيق نفس الأهداف ويكون بذلك أقرب إلى ميدان الأدبيّات وبعيدا كل البعد عن المنهج العلمي التّحليلي. هذا بالإضافة إلى نوعيّة المراجع المعتمدة التي هي في الحقيقة من إنتاج المؤرخين أنفسهم. فالعلاقة بين الحركة التاريخيّة والحركة الحضاريّة هي في الحقيقة علاقة الخاص بالعام وتمثل الحركيّة الحضاريّة باطن الحركة التّاريخيّة المستمرّة وما النّظريّات المختلفة التي تفسّر التّغيّر أو التّحرّك الحضاري إلاّ نظريّات لتفسير حركة التّاريخ.

د - تطوّر صناعة التّاريخ الإسلامي ومصادر تدوينه :
·      تطوير صناعة التّاريخ الإسلامي:
       لقد ظلت كتابة تاريخ العرب قبل الإسلام تستند إلى روايات الأخبار والقصص حتّى عصر التّدوين في القرن الثاني للهجرة (الثامن ميلادي). وكان القصّاصون والروّاة يستندون إلى المصادر الدينيّة العبرانيّة والنّصرانيّة في رواياتهم لأخبار الجاهليّة التي بقيت متداولة إلى ق18م، حيث بدأ المستشرقون يخضعونها للنّقد العلمي ويعتمدون في أبحاثهم مصادر تاريخيّة أخرى مثل النّقوش والآثار والكتابات القديمة والمصادر اليونانيّة والسّريانيّة، علاوة على ما هو موجود بالمصادر الدّينيّة الإسلاميّة.
·      تاريخ عرب الجزيرة قبل ظهور الإسلام :
        إنّ التآليف العربيّة الإسلاميّة في تاريخ جنوب الجزيرة (اليمن وعمان) قليلة جدا وقد غلب على المصادر الطابع الشفاهي ولم يهتم المؤرخون اليمنيون لا بالنّصوص التّاريخيّة ولا بالنّقوش المتوفّرة في جنوب الجزيرة. أمّا بالنّسبة للجاهليّة الأخيرة عند عرب الشمال الحجاز فهي قريبة من عهد الإسلام (القرون الأولى الميلاديّة) ولم يبدأ تدوينها إلاّ في العصرين الأموي والعبّاسي نتيجة تفشّي الأميّة بين العرب قبل الإسلام رغم اشتهارهم بالموهبة الشّعريّة وقوّة الذاكرة.

·       ظهور الإسلام وكتابة التاريخ : 
         بعد عصر انتشار الإسلام، اتّجه رجال الفكر إلى استقصاء أخبار "الفتوحات" وتثبيت أحداثها، فنشأ إذن التاريخ العربي الإسلامي. وكان نتيجة عدّة عوامل جعلت الحاجة ماسة إلى تدوينه في تلك الفترة. فقد زادت مدوّنة التاريخ بعد نزول القرآن الكريم كما استدعت رواية الحديث ذلك (غزوات الرسول عليه السلام و"الفتوحات" التي تلت في عهد الخلفاء الراشدين والدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة) ثمّ وقعت الفتن الدّاخليّة التي اشتدّت بين المسلمين من أجل الخلافة والقيادة ومثلت هذه الأحداث مادة غزيرة بالنّسبة للتّاريخ الإسلامي. كما زادت الحاجة للمعرفة التّاريخيّة من تنشيط حركة التّأريخ، ونذكر من بينها :
 - حرص الأمراء على الاطلاع على الخبرات السيّاسيّة والعسكريّة للأمم السّابقة.
- الحاجة إلى تفسير القرآن ودراسة الحديث للوقوف على أسباب التّنزيل وظروف إطلاق الأحاديث.
- الحاجة إلى إرساء النّظامين المالي والقضائي في البلدان التي تمّ نشر الإسلام فيها (وذلك لتحديد الخراج بالنسبة للبلدان التي فتحت صلحا والتي فتحت عنوة).
- تشجيع الخلفاء والأمراء لبعض المؤرخين (مؤرخي البلاط) على تدوين الأحداث التاريخيّة الرسميّة.
- البحث عن الشرعيّة التاريخيّة إثر النّزاعات السّياسيّة والفتن.
- الرغبة في المعرفة العلميّة عند بعض المؤرخين المسلمين لتدوين التّاريخ انطلاقا من غاية موضوعيّة لإرضاء بعض الحكام السّياسيّين. وهذا من الآثار الأولى للثـّقافة اليونانيّة التي بدأت تتغلغل في جميع ميادين النّشاط الفكري خلال القرنين الثاني و الثالث هجري.
·       مصادر التّاريخ الإسلامي :
إن المصدر التّاريخي هو المستند الذي بقي لنا من العصر الذي نريد دراسته ويتمثل في الأثر الظّاهر أو البناء الباقي أو الوثيقة المكتوبة. كما تمثل الكعبة والقرآن والحديث الشريف مصادر لدراسة أحوال العصر الجاهلي والعصر الإسلامي، كذلك اللّغة والتّراث (من أمثال وأشغال وخطب) مصادر شفويّة أساسيّة. لكن ما هي المصادر والمراجع التي اعتمدت في تأريخ التاريخ الإسلامي؟
-      كتب الأدب االعربي :
        إن الأدب الجاهلي من شعر ونثر هو أقدم في الزّمن منذ نزول القرآن، إلاّ أن الرواة لم يحرصوا على جمعه وضبطه، بل إن الأدب الجاهلي قد اندثر معظمه ولم يحفظ أو ينقل منه إلاّ القليل. ويمثل الشعر الجاهلي مصدرا مساعدا للتّاريخ، إذ كثيرا ما ذكر الشعراء في قصائدهم أخبارا تتعلّق بتاريخ العرب في الجاهليّة ومنها حروب قبائلهم وحياتهم الجماعيّة (من روايات تاريخيّة تروي البطولات....).

        ويعد هشام بن محمّد الكلبي (نهاية ق2هـ) أول مؤرخ من استند إلى مصادر مكتوبة ويمثل عمله خطوة هامّة نحو التأليف التّاريخي القائم على أساس العلم. ومن المصادر التّاريخيّة ذات الصّلة الوثيقة بتاريخ الأدب العربي، نذكر كتاب الأغاني "لأبي فرج الأصفهاني (ق4هـ). ويعتبر هذا الكتاب أهم مرجع للتاريخ الأدبي في ق3 و4 هـ.
-      المراجع الدينيّة:
       إن أهم المصادر الدينيّة هو طبعا القرآن ثم الحديث والتي لا غنى عنهما للمؤرخ الذي يريد دراسة تاريخ الجاهليّة الثانيّة في الحجاز لما تضمّنه من وصف لحالة العرب قبل الإسلام، ففي هذه المدوّنة صور عن آرائهم ودياناتهم ونظام حياتهم في الميادين السياسيّة والاقتصاديّة. أمّا الحديث فيحتوي على الأقوال المرويّة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، من أحكام وأراء وأخبار وآداب.
-     السّير والمغازي:
       لقد تعرضت كتب سيرة الرسول، عليه السلام، لأخبار الجاهليّة القريبة من الإسلام، فباتت من المصادر الهامّة لتاريخ تلك الحقب. وقد اعتمدت على ما رواه الصّحابة والتابعون ومن أتى بعدهم من أخبار تتعلّق بحياة الرسول عليه السّلام. ويعتبر محمّد ابن إسحاق، شيخ مؤرخي السيرة، وقد صار كتابه "المغازي"، الذي ألفه بطلب من المنصور العبّاسي والذي يتناول التّاريخ من آدم عليه السّلام في ثلاثة أقسام: المبتدأ والمبعث والمغازي، المرجع الرئيسي لتاريخ العصر الجاهلي و الصدر الأوّل من الإسلام.
-     كتب البلدان والتراجم :
        لقد عني الكثير من المؤرخين المسلمين بتأليف الكتب التي تتناول تاريخ أقطار إسلاميّة أو بعض المدن أو الترجمة لبعض مشاهير الرّجال أو الدّول. ونذكر على سبيل المثال الخطيب البغدادي (ق5هـ) وكتابه "تاريخ بغداد" في 14 جزء وهو أحد أمهات المراجع التي لا غنى عنها في دراسة تاريخ الدولة العبّاسيّة ثمّ كتاب ابن عساكر (ق5-6هـ) "تاريخ دمشق" والذي جمع فيه تراجم كل الرّجال الذين كانت لهم صلة بتلك المدينة على طريقة الخطيب البغدادي. كما نذكر كتاب "نفح الطيب" للمقّري (ق10-11هـ) الذي يحتوي على مجموعة ممتازة من المعلومات التّاريخيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة والأدبية ويعتبر المرجع الوحيد لتاريخ الأندلس منذ نشر الإسلام فيها وحتّى سقوط غرناطة.
-       التّراجم :
    وهي معاجم تترجم لحياة علماء الدين ومشاهير الرجال دون النّظر إلى بلدانهم والواقع أن اهتمام بعض المؤرخين بالتّراجم الرسميّة للحكام كان خطوة بالغة الضّرر، ذلك أن السّياسيّين أخذوا يتدخلون في كتابة تاريخ عصرهم (ستر النّقائص وإظهار المحاسن...) وهذا ممّا يحول دون معرفة الحقائق التّاريخيّة....

-       دوائر المعارف الإسلاميّة :
    إن المعارف العلميّة أساس لإتقان الصناعة والزّراعة والتجارة وأهم الاختراعات والاكتشافات والمؤلفات المعروفة في الغرب وهي معروفة بـ"الأنسيكلوبديّات" (الموسوعات) تبسّط أمام الدّارس كل ما في العالم من المعارف المهمّة ويستغنى بها عن مئات من الكتب المختصّة. ومنذ مطلع القرن 19 بدأ المستشرقون يجمعون خلاصة أبحاثهم عن الحضارة الإسلامية في كتاب جامع يتّبعون فيه منهج القواميس والمعاجم وهي "دائرة المعارف الإسلامية" (هنالك أيضا كتب موسوعة أخرى تعرف ب"دوائر المعارف" مثل: كتب بطرس البستاني "قطر المحيط" و "محيط المحيط"). وفي سنة 1933 تمّت ترجمة "دائرة المعارف الإسلاميّة" إلى اللّغة العربية من طرف أربعة مفكرين عرب.
-       المعاجم :
         من مصادر التّاريخ الإسلامي أيضا، كتب اللّغة والمعاجم. جمع علماء اللّغة في كل من كتب اللّغة ومعجمها كل ما سمعوه دائر على الألسنة. وبذلك ضمّوا المفردات اللّغويّة والمعارف الجغرافيّة والتاريخيّة والعلميّة والفنيّة. ومن أجل ذلك كانت معاجم اللّغة مصادر هامّة ومهمّة للحياة الجاهليّة وقواميس العرب الكبرى هي "القاموس المحيط" للفيروز أبادي و"لسان العرب" لابن منظور و"تاج العروس" لمرتضى الزّبيدي. أمّا المعاجم التاريخيّة والجغرافيّة المتعلقة بمصادر التّاريخ الإسلامي فهي كثيرة، ومنها "صفة جزيرة العرب" للهمذاني و"معجم ما استعجم" للبكري ثمّ "معجم البلدان" لياقوت الحموي و"مروج الذهب" للمسعودي.
-      كتب االتاريخ العام :
     لقد بدأ المؤرخون بكتابة هذا النوع من كتب التّاريخ منذ منتصف ق. 3 ه. فضمنوا كتبهم تاريخ العرب وغيرهم من الأمم وسعوا إلى التّوفيق بين ما استمدّوه من كتب السّيرة والتأليف التّاريخيّة والمصادر الأخرى ثمّ حاولوا إدماج كل ذلك في رواية تاريخيّة متماسكة وكثيرا ما كانت النّزعة القصصيّة والبلاغيّة طاغية على الرّوايات الصّحيحة.

ومن ناحيّة أخرى، بدأ أثر الثّقافة الفارسية والإغريقيّة واضحا في كتب التاريخ الجديدة منذ القرنين الثاني والثالث هجري. وبفضل ذلك، استقل علم التّاريخ عن العلوم الأخرى (كالحديث والتفسير والفقه...). وزادت كتب التّاريخ، بين القرنين الثالث والسادس هجري، زيادة تكاد لا تحصى (ما يقارب عن 1.300 عنوانا). ومن بين أهم مؤرخي الحوليّات (حسب مراعاة التّسلسل الزّمني) نذكر أبا حنيفة الدّينوري وابن واضح اليعقوبي وابن جرير الطبري (ق 3-4 هـ) وابن الأثير وابن الطقطقي وابن العبري وأبو الفداء. ولقد كان التّقسيم إلى تاريخ عام متسلسل (حوليّات) وتاريخ أسر مالكة أو شعوب واضح المعالم بين منتصف ق.3 ومنتصف ق.4هـ.
-       كتب الجغرافيا (الرحلات) :
تعتبر كتب الجغرافيا أحد مصادر التّاريخ الإسلامي الهامّة، لاسيّما كتب الرحلات التي قام بها أصحابها في مختلف الأمصار الإسلاميّة. ومن تلك الكتب، المذكورة آنفا، "صفة جزيرة العرب" للهمذاني و"معجم ما استعجم" للبكري ثمّ "معجم البلدان" لياقوت الحموي (ق 7 هـ).
-       كتب التّفسير :
من أشهر التّفاسير للقرآن الكريم التي وضعها علماء الدين وأهمّها "جامع البيان عن تأويل القرآن" لأبي جرير الطبري و يحاول الكتاب أن يفسّر الآيات بذكر الأحوال التاريخيّة والاجتماعيّة التي رافقت نزولها. ويسلك الطبري، الذي يعتبر أصلا مؤرّخا، في التّفسير مسلكا سلفيّا، فهو فقيه يعتمد ما تقرّه الرّواية المسندة. وهناك من التّفاسير كتاب"الكشّاف" للزّمخشري والذي يسلك فيه مسلكا لغويّا بلاغيّا أكثر منه اعتمادا على الواقع التّاريخي. ويضاف إليه كتب التّفسير التي تبحث في أسباب النّزول وكتب النّاسخ والمنسوخ (وهي الكتب التي تذكر الآيات التي بطل حكمها بآيات أخرى نسختها) وأشهرها كتاب ابن حزم الأندلسي  (تـ456 هـ - 1064 م) وكتب ابن منصور البغدادي (تـ. 429 هـ. 1037 م).       
  ه - مناهج بعض المؤرّخين المسلمين في كتابة التاريخ
منذ منتصف القرن الثاني هجري، بدأ المؤرّخون المسلمون يكتبون التواريخ العامّة معتمدين في ذلك على النقل من كتب تاريخ الفرس (كتاب الملوك مثلا) الذي ترجمه ابن المقفّع (المتوفّي سنة 139هـ) أو النقل من القصص اليهوديّة والمسيحيّة القديمة. لكن هذا النقل جعل بعض الخرافات تتسرّب إلى كتب التاريخ وكأنها أحداث تاريخيّة. وبدأ إذن التاريخ يأخذ استقلاله عن التفسير والحديث والفقه وظهر مؤرّخون كبار لكلّ منهم منهج خاصّ.
-     منهج الطّبري في التاريخ : (ق. 3-4 هـ)
كان الطبري نابغة من نوابغ عصره، إذ حفظ القرآن وهو في سنّ السابعة من عمره وصلّى بالناس وهو في سنّ الثامنة. وقد درس في كلّ من بغداد والبصرة ومصر وبلاد الشام وتخصّص في علوم شتّى منها علوم القرآن والحديث والفقه واللّغة. كما حرص على دراسة العديد من القضايا التاريخيّة في سبيل استقصاء أسباب التّنزيل. وكان تأليفه الشهير في هذا الموضوع هو" تاريخ الأمم والملوك" ويحتوي على تاريخ الرّسل والأنبياء والملوك والخلفاء ويقسّم الكتاب إلى قسمين كبيرين يتناول الأوّل تاريخ ما قبل الإسلام (منذ بدأ حياة الإنسان على الأرض) والثاني تاريخ ما بعد ظهور الإسلام.

أمّا المصادر التي اعتمدها الطبري في تأليف كتابه، فأهمّها كتب التفسير والسّيرة وترجمات عربيّة لكتب فارسيّة (خصوصا كتب ابن المقفّع) وكتب نصارى الشام الذين كانت لهم معرفة بتاريخ الدولة الرومانية والإمبراطورية البيزنطيّة ومصادر يهوديّة في تاريخ اليهود وبعض ما كتب في تاريخ العرب قبل الإسلام. من ناحية ثانية، انفرد الطبري بمنهج متخصّص في كتابة التاريخ، إذ نجده قد اعتمد على الرّوايات متأثّرا بالصّيغ المختلفة لمتن الحديث وكان قليلا ما يدلي برأيهم ويرجّح رواية على أخرى. كما كان يعتمد على الإسناد والمراسلات، لكنّه اقتصر على تسجيل الروايات والاكتفاء بالإحالة إلى غيره.

وقد توخّى الطبري طريقة الحوليّات في ترتيب الأحداث (مراعاة ترتيب السّنين) ولم يكن مؤرّخنا مخترع هذه الطريقة إذ سبقه إليها الواقدي (ت. 207 هـ) والكثير من المؤرّخين الآخرين. واعتمد تسجيل النصوص الأدبيّة ودوّن الشّعر المتعلّق بالموضوع الذي يؤرّخ له وصار من المألوف أن يكون المؤرّخ راوية أدب مثل الأصمعي وغيره.

-     منهج الكندي في التاريخ (ق. 3-4 هـ)[4]
ألّف الكندي الكثير من الكتب، لكن الكتاب الوحيد الذي بقي لنا هو كتاب "الولاة" (حسب الولاّة في مصر)، ذاكرا ما وقع في أيام كل منهم، واكتفى الجزء الأوّل من الكتاب بتعداد أسماء الولاّة. أمّا الجزء الثاني، فعرض فيه تاريخ القضاة والقضاء في مصر وإشارات لأحكامهم وفتاويهم.

      وتتمثّل المصادر التي اعتمد عليها الكندي في كتابه للولاّة والقضاة في مدوّنات مكتوبة. أمّا منهجه في التاريخ، فهو يتّصف بالطابع اللّغوي الفصيح. وكان المؤرّخ ميّالا للشّعر وأتى هذا حاملا قيمة تاريخيّة خاصة، إذ يلقي الضوء على الاتجاهات القبليّة والدينيّة في مصر في ذلك الوقت كما يشكّل أحد المصادر الهامّة ودراسة الجذور الأولى للأدب العربي فيها. وتتّضح مساهمة الكندي في فنّ كتابة التاريخ في مراحل واتّجاهات ثلاث وهي:
-       كتابة مغازي الرسول، عليه السلام، وسيرته
-       كتابة القصص التاريخيّة وملاحم وبطولات الأمراء
-       أسلوب كتب التاريخ العام الرّصينة (تفسير القرآن وسيرة الرسول، عليه السلام).

ويمثّل الكندي صورة حيّة لما شهدته المدرسة التاريخيّة في النصف الأخير من ق.3 هـ والنصف الأوّل من ق.4 هـ من نشأة مؤرّخي الأمصار المعنيّين بسرد أخبارها. أمّا الظّروف التي ساعدت على ظهور هذه النزعة في كتابة التاريخ فنذكر منها :

-       حاجة القضاة ورجال الدولة إلى معرفة أخبار الأمصار الإسلامية بصورة دقيقة لرسم السياسة المحليّة ونظام الإدارة لديهم.
-       بروز ظاهرة وضع الأحاديث والتصدّي إلى تحريفها (اختراع أسماء روّاة وهميّين ونسبتهم إلى أقاليم وهميّة).
-       ازدهار الثقافة الإسلامية أدّى إلى عدم قصر المدارس على دمشق أو بغداد
-       استقلال الأمراء في الأقطار وحرصهم على تدوين أخبارها.

ويعتبر كتاب الكندي أنموذجا لكتب التاريخ المحلّي(Monographie) ذو النزعة الإقليمية الضيّقة إذ لا ينتقي من الشعر، مثلا، إلا ما قيل في مصر أو عنها ولا يتحدّث إلاّ عن العرب في مصر... ففي أواخر القرن الثالث وفي النصف الأوّل من القرن الرابع هجري اكتملت المدرسة التاريخيّة واتّجه أسلوب المؤرّخين العرب إلى العناية بالإسناد أكثر من الخبر كما أدركوا ضرورة الارتجال في طلب العلم إلى الأمصار الأخرى.
-       منهج ابن خلدون في التاريخ (ق 8-9 هـ/ 1332- 1406م)
       ولد عبد الرحمان ابن خلدون في مدينة القيروان حيث درس العلوم الشرعيّة واللّغويّة وقد عاش ابن خلدون في عصر تفكّك وانحطاط العالم العربي الإسلامي آنذاك وتحوّل ركب الحضارة إلى العالم الغربي (من الضفّة الشرقيّة للمتوسّط إلى الضفّة الغربيّة له).  و أتت أهمّ أعمال ابن خلدون في التاريخ "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّان العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم ذوي السلطان الأكبر" في سبع مجلّدات منها مجلّد المقدّمة الذي يتناول نظريّته في التاريخ. وقد أجرى مؤرّخنا في هذا الصّدد تحقيقات علميّة هامّة وناقدة على تراث من سبقوه في الكتابة عن تاريخ العرب المسلمين وفي هذا تبدو أصالته. كما تطرّق إلى مواضيع لم يطّلع عليها من قبله أحد من المؤرّخين مثل موضوع "الأغالبة في صقلّية و "ملوك الطّوائف بالأندلس" و"الممالك النّصرانيّة في إسبانيا."
ويعدّ القسم الخاص بتاريخ البربر أكثر الأقسام أصالة، إذ جاء ما ورد فيه حصيلة مشاهدات ميدانيّة قام بها ابن خلدون نفسه في بلدان شمال إفريقية أثناء تنقّلاته العديدة بين القبائل. وسلك مؤرّخنا منهجا أقرب إلى الدقّة والتنسيق في البحث بتقسيم مؤلّفه إلى كتب ثمّ إلى فصول متّصلة وتتبّع تاريخ كل دولة على حده من البداية إلى النهاية وقد عدل عن طريقة الحوليّات. ويمتاز ابن خلدون عن الواقدي والمسعودي اللذان سلكا نفس المنهج ببراعة التنظيم والرّبط وبتفوّقه في الوضوح ودقّة التّبويب.

 وقد برع مؤرّخنا في فنّ آخر من فنون التاريخ وهو ترجمة المؤلّف لنفسه في كتابه "التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا" وفي هذه التّرجمة يصف ابن خلدون أحوال مختلف المجتمعات والنّظم التي كانت له علاقة بها ويترجم لمعظم من ذكرهم في كتابه كما يورد طائفة كبيرة من الرسائل التي تلقّاها من أصدقائه بنصوصها كاملة وكثيرا من أشعارهم وقصائدهم وكذلك التقارير الرسميّة والخطابات المتبادلة بين ابن خلدون والملوك والسلاطين. أما في كتابه الثالث في أخبار البربر، فيعتبر أهمّ ما  جاء بعد المقدّمة في كتاب العبر وأقواها عرضا وتحقيقا. ويقول بعض نقّاد ابن خلدون (منهم بعض المستشرقين كروبرت فلينت الانكليزي). "إذا نظرنا إلى العلاّمة كمؤرّخ وجدنا من يتفوّق عليه من العرب نفسهم. أما كواضع لنظريّات في التاريخ، فهو منقطع النّظير في زمانه".

و - المنهج التأريخي في التفكير والعلوم الرديفة لمادة التاريخ
- المنهج التأريخي في التفكير:
إن علم التاريخ ليس علما تجريبيّا، أي أنه من غير المستطاع القيام بتجارب على أحداث الماضي. فالمؤرّخ يتّخذ من المصادر المتوفّرة لديه دليلا للوصول إلى أحكامه عبر عملية تنقية دقيقة ونظرة باطنيّة للأشياء لاستخراج المسبّبات الأصليّة للنتائج التاريخيّة. وهذه المسبّبات كثيرا ما تكوّن عوامل اقتصادية واجتماعيّة وثقافيّة ذات ديناميكيّة فعّالة في مجرى الأحداث التاريخيّة. ويستعمل المؤرّخ أدلّته لتفسير هذه الظاهرة وكيفيّة تأثيرها قبل القيام بعمليّة التركيب التاريخي.

 فالمنهج التأريخي في التفكير يتطلّب مهارات تساعد المؤرّخ على دراسة الوقائع التاريخية والخروج بنتائج وتعميمات ومن سمات المؤرّخ الباحث التمسّك بالشكّ وروح النّقد في تعامله بدقّة وأمانة من مصادره التجرّد والموضوعيّة في تحاليله والتحلّي بالأخلاقيّات (déontologie) العلميّة الحسنة في البحث  (الابتعاد عن اللّصوصيّة العلميّة) عن الحقيقة بكلّ شجاعة وأمانة. ويكون كذلك للإلمام بالعلوم المساعدة انعكاسات إيجابية على التحاليل والتعليلات. فالمنهج التأريخي في البحث يتمّ إذن عبر منهج علمي في التفكير وفي معالجة المعلومات ودراستها.
- العلوم المساعدة لمادة التاريخ :
             إنّ التأريخ هو علم من العلوم الاجتماعيّة، يعتمد في وصفه للظواهر والأحداث التاريخية وتحليلها وتفسيرها على الطريقة الاستدلاليّة ولا على المخبر مثل العلوم التجريبيّة. فدراسة الظواهر التأريخيّة لا تؤخذ بصيغة منفصلة عن بقيّة الظواهر بل تدرس بعلاقاتها ونتائجها وتشابكها مع الكثير من العوامل الأخرى التي تتطلّب إلماما بعلوم أخرى للوصول إلى الحقيقة التاريخيّة. ومن أهمّ الوسائل التي تساعد في دراساته أو بحوثه نذكر :

* معرفة اللّغات التي كتبت بها المصادر (معرفة اللّغات القديمة مثلا ضروريّة للرّجوع للمصادر الأوّلية بالنسبة للبحث في التاريخ القديم، كاللّغة اليونانيّة واللاّتينيّة وغيرها).
* الإلمام بعلم قراءات الخطوط والرّموز المستعملة في الحضارات القديمة، كذلك طرق النّسخ حتى تتسنّى للباحث الإفادة من المصادر المكتوبة بتلك الخطوط أو المستعملة لتلك الرّموز.
* الإلمام بعلم الوثائق أو الأرشيف ويشمل هذا العلم كيفية ترتيب الوثائق ومعالجتها وهذه الوثائق هي الكتابات الرسمية والإداريّة لأجهزة الدول وتتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في حياة الشّعوب (من مراسلات وتقارير ومذكّرات وسجلاّت ودراسات وإحصائيّات...). كما تشمل هذه الوثائق المخطوطات.
* معرفة علم الآثار وعلم النوميّات الذي يدرس تاريخ النقود والعملة.
* معرفة الجغرافيا التي تعتبر من العلوم الضروريّة المساعدة لدراسة التاريخ كالجغرافيا الطبيعيّة والسكانيّة والاقتصاديّة.
* الإلمام بالأدب من شعر ونثر ذي صلة وثيقة بالتاريخ، ذلك أنّه يعبّر على الجانب الثقافي والحضاري ويعكس العقليّة الاجتماعية السائدة من عواطف وطموحات...
* معرفة العلوم السّلوكيّة الحديثة كعلم النفس الذي يبحث عن مظاهر سلوك الأفراد وتصرّفاتهم الاجتماعيّة والحضاريّة وعلم الاجتماع الذي يبحث عن العلاقات المتبادلة بين الأفراد في المجموعات الاجتماعية الصغيرة وعلم الإنسان الحضاري أو الانتروبولوجيا (التاريخ الثقافي القديم) الذي يدرس أصول وتاريخ حضارات الإنسان وتطوّرها. فهذه العلوم السّلوكيّة تساعد المؤرّخ على فهم نفسيّة الشعوب واتجاهاتها وعلى تطوّر المجتمع الإنساني ومشكلاته.
* معرفة علوم الاقتصاد التي تبحث عن الإنسان منتجا ومستهلكا. فللعوامل الاقتصادية أثر كبير في سير التاريخ وللمبادلات الاقتصادية أبعاد حضاريّة وإنسانية بين الشعوب وعلاقاتها مع بعضها البعض. وكذلك على الصّعيد الداخلي تؤثّر  العوامل الاقتصادية مباشرة في الحياة الاجتماعيّة إذ أنّ غلاء المعيشة يمكن أن يؤثّر مباشرة على الاستقرار السياسي وعلى النظام ذاته الذي يؤثّر بدوره في حياة الناس. هنالك أيضا العديد من العلوم الأخرى التي يستعملها المؤرّخون في بحوثهم. منها علم الإحصائيّات والديموغرافيا وعلوم القانون إلى غير ذلك من العلوم المتّصلة بمختلف ميادين البحث في الحياة البشريّة.
ز- المنهج التأريخي في البحث
   مثلما سبق وأن ذكرنا أنّ التأريخ علم وفنّ فهو أيضا منهج خاصّ وهو المنهج التأريخي أو الطريقة التأريخيّة التي تهمّ ميدان البحث والتفكير. فما هي إذن خصائص هذا المنهج الذي يتّبعه المؤرّخ في كتابة التاريخ؟ هنالك عدّة مراحل يسير خلالها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخيّة (وهي حقيقة نسبية على حسب اجتهاده) في تناول موضوعه وتتمثّل أساسا في :

·       التزوّد بالثقافة اللاّزمة في الاتجاه المراد دراسته،
·       تحديد آفاق وموضوع البحث،
·       جمع الأصول والمراجع التي لها علاقة بموضوع البحث وإثبات صحّتها،
·       تنظيم وتركيب المعلومات المجمّعة عن المصادر والمراجع،
·       الاتجاه لدراسة وفحص مخلّفات الإنسان وآثاره من كتابات ونقوش وموضوعات... حتى يتمّ سدّ الثغرات الموجودة بالمصادر،
·       وضع التصميم النهائي لموضوع البحث.

      أمّا أسلوب التعامل ومعالجة الزّاد المعرفي المجمّع فيحب أن يخضع من طرف المؤرّخ أو الباحث إلى قيم ومهارات، منها :

* روح النقد والحذر، ذلك أن هنالك الكثير من المعلومات المنسوبة خطأ والوثائق المزيّفة أو التي لا تعكس الحقيقة. و تتحدّد قيمة التاريخ المكتوب بناء على بعض الأسس الجوهريّة منها نوع المادة التي استقى منها الباحث معلوماته : مراجع أساسيّة أم ثانويّة لم تستعمل من قبل أو سبق وإن استعملت، أي ذات قيمة علميّة كافية أم لا،
* القدرة على الإثبات والبرهنة والتوضيح والإقناع، لأن في ذلك تحديد وتقييم للبحوث المرتكزة على قدرة الباحث أو المؤرّخ على الدرس والبحث وقدرته على نقد وتنقية معلوماته وطريقة استنباط الخلاصات بعد التحاليل  المعروضة والمقنعة،
* بعد الباحث عن التحيّز الايديولوجي والأهواء وقدرته على الموضوعية ذلك إن العديد من المؤرخين يكتبون الدراسات وكأنها قراءة تاريخية عبر بعض الإيديولوجيات، فيأت البحث خاضعا لا للحقائق التاريخيّة وإنّما للمقاييس الإيديولوجية التي يتأثّر بها الباحث. وتكمن أهمّ هذه المراحل، في جمع المعلومات والمادة التاريخيّة التي تمثّل المادة الخام والأوليّة للبحوث. أمّا تقييم هذه المادة فهو يخضع إلى معيارين أساسيين منها :
1-   الروايات المأثورة التي هي مصادر شعورية مثل الروايات الشفويّة والروايات المكتوبة أو المصوّرة بما فيها الأشرطة والخرائط والرسوم...
2- المخلّفات العضويّة التي هي بقايا لا شعورية خلّفها الإنسان ويستخدمها الباحث لدراسة فترة تاريخيّة معيّنة وتمثّل هذه المصادر العفويّة مادة تاريخية ذات أهمية كبيرة جدّا بالنسبة للمؤرّخ، إذ أنها تعكس بصورة طبيعيّة وغير مقصودة ذوق عصر معيّن وميولاته وآماله وروحه (الآثار المعماريّة...).

       وتمثّل المخلّفات المأثورة مادة نصف مصنّعة ومصدرا ثانويّا بينما المخلّفات العفويّة تمثّل مادة أولية أقرب للحقيقة والفطرة تعكس بصفة أكثر موضوعية صورة المجتمع المراد دراسته.      ويجب أن تخضع كلّ هذه المادة التاريخيّة، من طرف المؤرّخ الباحث، إلى النقد الحذر والشك لدراستها ومحاولة استخلاص الحقائق التي تكمن في ثناياها.
2 ) - أهمّ النظريّات في تفسير التاريخ (أو أهمّ المدارس التأريخيّة)
لا شكّ وأنّ ظاهرة التغيّر التاريخي والحضارة تتطلّب تفسيرات. ولقد اختلفت الفلسفات والاتجاهات الفكرية في هذا الشأن وكثيرا ما كانت متباينة. فبينما يذهب بعض العلماء إلى تفسير التطوّر الحضاري بصفة موازية لتطوّر الأحياء مثل داروين، يتبع ابن خلدون المنهج الاستقرائي في محاولة تحليل التطوّر الحضاري، فما هي أوّلا مقوّمات هذه النظريّة ؟
1-           نظريّة ابن خلدون في العمران :
أ - المنهج الخلدوني :
      لقد اتخذ ابن خلدون من المنهج الاستقرائي منهجا متكاملا فسّر به الظواهر الاجتماعية لتحليل أحداث التاريخ (ربط الحدث بأسبابه) ونظريّة العمران عنده مثلا تربط تفاعلات البيئة الطبيعية بالبيئة الاجتماعية. ويرى ابن خلدون أن الاجتماع هو إنساني لأن الإنسان مدنيّ بالطبع. وهذا معنى العمران الذي يعطي للحياة الجماعيّة معناها الشامل في التعاضد من أجل تلبية كل حاجيات الإنسان من مأكل وملبس واستقرار وأمن. ولكن لا بدّ من قوانين لحفظ نظام التعايش وهذا معنى الملك والدولة. ومن ناحية أخرى يرى العلاّمة أنّ للبيئة الطبيعيّة أثر كبير على سلوك الأفراد وعلى عاداتهم وتقاليدهم وقد قسّم الحضارة (انطلاقا من الوضع الاجتماعي العربي الإسلامي السائد خلال نهاية القرن الثالث عشر) إلى عمران بدوي وعمران حضري يتناول حياة الرّيف وحياة المدينة. فبالنسبة لحياة الريف أو العمران البدوي، يركّز ابن خلدون على علاقة الترابط والعصبيّة بين أعضاء المجتمع.

                وتختلف طائفة البدو في معاشها وطرق حياتها الشّبه بدائيّة والغير مستقرّة مع حياة أهل المدن والقرى وانشغالاتهم اليوميّة. أمّا بالنسبة للنظام العام المجتمعي، فبينما يرتكز عند فئة البدو العصبيّة التي تربط بين أفراد فئتهم فهو بالنسبة لأهل الحضر من مشمولات جهاز الدولة. 
- مقوّمات نظريّة ابن خلدون:
       يعتبر ابن خلدون أسبق مؤرّخي العالم في النظر إلى التاريخ كعلم يستحقّ الدراسة وتعتبر"مقدّمته" شرحا وتمهيدا لفهم حوادث التاريخ فجاءت مذهبا جديدا في تحليل الظواهر الاجتماعية وفهم التاريخ ونقده وتحليله. وقد وصف ابن خلدون عمله بأنه يتناول علما مستقلاّ موضوع "العمران البشري والاجتماع الإنساني وهو مستحدث الصّنعة، غريب النزعة وغزير الفائدة" ويعتبره محاولة لفهم التاريخ من تحرّي الروايات وتدقيقها. وقد استهلّ ابن خلدون مقدّمته بذكر قيمة التاريخ ومذاهبه وينقد أخطاء المؤرّخين في إيراد الأخبار والوقائع بعوامل الغرض والتحيّز أو بفعل السهو والجهل بقوانين العمران وأحوال المجتمع وكذلك عدم الدقّة والتمحيص في تقدير الممكن والمستحيل.

        ولا يخلو أسلوب ابن خلدون من المبالغة إذ أنّه بتأثّره بغزو بني هلال والدمار الذي أحدثوه في البلاد التونسية يضع أحكاما عن العرب (أو الأعراب) ويصفهم بأهل التخريب والنّصب (أي التوحّش والحياة البدائيّة مقارنة للتحضّر الذي يعيشه أهل الأمصار وأنهم ليسوا أهلا للعلم، لذا كان (على حدّ قوله) "أكثر حملة العلم في الدول الإسلامية من العجم لا من العرب". كما تطرّق مؤرّخنا إلى عدّة مواضيع اجتماعيّة أخرى جاءت في الفصول الأربعة الأخيرة من كتاب المقدّمة، كموضوع الدولة  والملك وأحوال البلدان والأمصار والعلوم والتعليم.
-    علماء الغرب وابن خلدون :
لقد بدأ اهتمام مفكّري الغرب بدراسة آراء ابن خلدون مبكّرا وقد بدأت دراسات مماثلة لدراساته منذ بداية النهضة الأوروبية دون الإشارة إليه وما ورد أول ذكر لاسمه ولأعماله إلاّ في القرن 17. ولقد اكتشف مفكرو الغرب في العصر الحديث، أنّ العديد من النظريّات الفلسفيّة والاجتماعية والسياسة التي عالجها فيما بعد ميكيافلّي (الايطالي) وآدام سميث (الانكليزي) هي موجودة في مقدّمة ابن خلدون وأنّ هؤلاء المفكرين ربّما اعتمدوا اللّصوصيّة العلميّة عن قصد في عدم الإشارة إليه، ذلك وأنّه قد سبق مفكّري الغرب في هذا المجال وبعدّة قرون.

وقد أعيد له الاعتبار في العصر الحديث من طرف علماء الغرب، إذ مجّد العديد منهم أعمال ابن خلدون ومن بينهم فون كريمر النّمساوي و دي بوير الهولندي و موني الفرنسي وشميدت الألماني وغيرهم كثير من المفكّرين المعاصرين الذين اعتبروا ابن خلدون من كبار الأعلام في ميدان العلوم الاجتماعيّة.

-    نقد نظريّة ابن خلدون :
نذكر أن من أهمّ الأخطاء التي وقع فيها ابن خلدون ذكر بعض الظواهر عند أمم معيّنة وفي عصور خاصّة بها والانتهاء إلى أفكار وقوانين ظنّا منه أنها عامّة، تصدق في كلّ مجتمع وفي كلّ زمن. كما اعتبر أنّ البيئة الجغرافية هي دعامة هامّة لمختلف الظّواهر الاجتماعية (أي البيئة الجغرافية كسبب اختلاف البشر في ألوانهم وأجسامهم وميولهم ونشاطهم العام وكثيرا من صفاتهم الجسميّة والخلقيّة). لكنّه من الخطأ البيّن المبالغة في هذه الآثار إلى حدّ العنصريّة كما أنّ من الممكن أيضا أن يؤثّر المجتمع في بيئته ويخضعها مثل اليابانيون والهولنديون والصينيّون والفيتناميون...). فهنالك شعوب كثيرة تتّفق كذلك في البيئة الجغرافية ولكنّها تختلف اختلافا كبيرا في شتّى مظاهر الحضارة.

        ويذهب ابن خلدون أيضا إلى أنّ السبب في التطوّرات الاجتماعية يعود إلى اختلاف نظم الحكم وتغيّر الأسرة الحاكمة، لكن وإن كان للقادة والزّعماء والمفكّرين أثر في حياة المجتمعات، فإنّه من الخطأ المبالغة في هذا الأثر والاعتقاد بأنّه هو العامل الأساسي في التطوّر الاجتماعي. ونستطيع القول في الختام أن نظريّة ابن خلدون في التطوّر الحضاري ليست صالحة لكلّ زمان ومكان ورغم بعض النواقص والإسراع في التعميمات (التي فنّدتها التجارب التاريخيّة في الحقيقة خلال الفترتين الحديثة والمعاصرة)، انطلاقا من حالات ليس لها تمثيليّة كبرى، تبقى مساهمته الفكريّة بمثابة الأسس النظريّة لعلم الاجتماع.

ب - نظريّة التطوّر التاريخي (خلال القرنين 17 و18) :
لقد شهد هذان القرنان في أوروبا نهضة وحداثة كبيرتين في كل ميادين الحياة الفكريّة والاقتصادية وقد راجت نظريّة التطوّر في كلّ المجالات الاجتماعية وأصبح مضمون التطوّر يكاد ينطبق على مختلف مظاهر التقدّم والارتقاء. وتعتبر فكرة التطوّر الإحيائي في تفسير التاريخ ما ينطبق على الإنسان كلّ ما ينطبق على غيره في عالم الإحياء في وظيفة ضمان تعاقب الأجيال. فكيف تنمو  إذن المجتمعات البشريّة وتتطوّر؟
 
-    تطوّر الجماعات البشريّة:
   إنّ الإنسان هو كائن حيّ ذو خصائص بيولوجيّة متميّز في عالم الإحياء يتفاعل مع مكوّنات البيئة التي يحيا فيها مؤثّرا فيها ومتأثّرا بها ولقد عاش الإنسان على وجه هذه الأرض مراحل تطوّر استمرّت مئات الآلاف من السّنين قبل أن ينفرد عن باقي المخلوقات الأخرى بواسطة إنجازات ذكائه وذلك باختراعه الرموز ثمّ الكتابة منذ 50 قرنا تقريبا. هذا ممّا ساعد المؤرّخين على إمكانيّة تتبّع مراحل تطوّر الجماعات البشريّة في الماضي (بدراسة أنماط استيطانها ومعيشتها البدائيّة). وقد مرّ تاريخ البشريّة من عصور متعدّدة منها العصر الحجري، فالخشبي ( أين عرف الإنسان النّار وكيفيّة استخدامها) ثمّ العصر البرونزي الذي بدأ فيه نموّ التجارة وبعض الاستقرار الذي ساعد على بناء التجمّعات السكنيّة من قرى ومدن ومعابد.

          وهكذا فإنّ حضارة الإنسان قد تطوّرت متدرّجة في الارتقاء ولكن هل تغيّر الإنسان نفسه خلال الزّمن فوق هذه الأرض؟  وهذا هو السّؤال الذي حاول داروين الإجابة عنه في القرن التّاسع عشر.

-    فكرة تطوّر الكائنات الحيّة :
لقد بدأ الشكّ يخامر ذهن العالم داروين في مبدأ ثبات الأنواع أثناء بداية ملاحظاته العلمية لبعض الكائنات الحيّة وقد تبيّن له أن التوزيع الجغرافي للأنواع الحيّة وعلاقاتها بالأنواع المنقرضة التي دلّت الحفريّات على سابق وجودها أمر لا يمكن تفسيره حسب نظريّة الثبات وعند ذلك بدأ يتّجه إلى فكرة  التطوّر التدريجيّة للكائنات لتفنيد النظريّة التي تعتبر أنّ كل نوع من أنواع النبات والحيوان قد خلق على حده مستقلاّ عن غيره.

       ففي نظر داروين ليست الأنواع ثابتة بل إنها تنحدر من أنواع منقرضة قد سبقتها ويتمّ هذا بواسطة التّلاقح والانتقاء الطبيعي مثل التّنوّع في سلالات الحيوانات المستأنسة والتغييرات الشكليّة الناتجة عن ذلك بمفعول الصدفة وبتدخّل الإنسان ويتمّ هذا كذلك على مستويات أخرى بالنسبة للحيوانات البريّة التي تتكيّف في ما بعد بالبيئة وظروف الحياة. كذلك بالنسبة لنظريّة داروين عن "الصراع من أجل البقاء" التي تعكس عمليّة انتقاء طبيعيّة تعين الكائنات على حفظ النوع وبقاء الأصلح. فالضعيف يموت فاسحا الطريق للأقوى مثلما جاء في نظريّة  مالتوس (Maltus) بالنسبة للسكان وكمّية الغذاء التي توفّرها البيئة [على قدر موارد البيئة يكون النّسل]. ونظام الإحياء الذي نراه في الطبيعة كما يستنتجه  داروين ليس بنتيجة تدخّل قوّة عليا خارجيّة وإنّما هو نتيجة للتوافق أو التكيّف بين أعضاء الكائن الداخليّة وبين ظروف البيئة التي يعيش بها. وهذا شأن الإنسان أيضا الذي يحكم تاريخه تنازع البقاء والسيطرة ومن ثمّ يغدو التاريخ سلسلة من الصراعات الطويلة الأمد على البقاء. لكن ما هو أصل الإنسان في نظر داروين ؟

-    أصل الإنسان في نظريّة داروين :
    إنّ نظريّة داروين يمكن أن تكون منطقيّة بالنسبة لاختلاف بعض المظاهر الخارجيّة للإنسان كلون الجلد والشعر وطول القامة بعامل الوراثة والتناسب. لكن بالنسبة لأصل الإنسان الذي ينسبه داروين إلى سلالة الحيوان المتطوّرة فذلك لا يتماشى مع جميع الأديان السماويّة مثلا والتي تعلن أن الله هو الذي خلق الإنسان مثلما أتى ذلك في القرآن في سورة "صاد" وفي سورة "الحجر". وهذا أمر أكّده من جانب آخر العلم. فوجد أنّ مكوّنات جسم الإنسان كلّها تنتمي إلى عناصر موجودة بالقشرة الأرضيّة من حديد ومنقناز وأكسجين وماء وكالسيوم، إلى غير ذلك... وهذه العناصر كلّها تعود إلى الأرض سمادا عند الوفاة فيصبح الجسم البشري عندها ترابا أو طينا.

 ويصدق إذن ما جاء في القرآن في مادة الخلق. فنظريّة التطوّر التاريخي لا بدّ وأن تعود إلى أصل الحياة الإنسانية في هذا الكون لتتبع الإنسان وآثاره فوق هذه الأرض ولا تزال البحوث جارية لمعرفة إمكانيّة الحياة البشريّة فوق الكواكب الأخرى ويستعين هنا علماء التاريخ بأحدث التقنيات وبالعلوم الطبيعيّة (الجيولوجيّة) والفضائيّة لتطوير مادة علمهم.

ج - نظريّـــة هيــقل والفلسفة الماديّة للتّاريخ (أو الماركسيّة والتأريخ)
       فلسفة هيڤـل في التأريخ :
تتصف فلسفة هيڤل في تفسير التاريخ بأنها مزيج المتناقضات. فهو يرى أنّ كلّ عصر في تاريخ الحضارة البشريّة يمثل وحدة مستقلة ويتضح حسب رأيه أنّ جوهر التطوّر إنّما هو نتيجة صراع التناقضات على أساس أنّ كلّ ظاهرة تحتوي على تناقض داخلي يدفعها إلى الأمام ويؤدّي بها آخر الأمر إلى أن تتحطّم وتتحوّل إلى شيء آخر. وأنّ تحطّم ظاهرة ما ليس في الحقيقة إلاّ فرصة لانبثاق ظاهرة أخرى جديدة (التسلسل في التعاقب).

   كما يرى هيڤل أنّ الإنسان مسيّر من طرف قوّة غيبيّة يسمّيها "روح العالم" تتدخل في أهداف كلّ العظماء من أبطال وقادة عند معالجتهم مختلف القضايا الكبرى في التاريخ. ويمنح هيڤل هؤلاء القادة صفات الأنبياء (القائد الفذّ الذي يبعثه اللّه لإنقاذ البشريّة). ويكون بأسلوبه الميتافيزيقي هذا نقيض ماركس، لكنّه يقترب نوعا ما من ابن خلدون في فكرة النموّ للظواهر الاجتماعيّة.

- النّظريّة الماديّة للتاريخ :
تعتبر الماركسيّة كلّ ما يحدث في المجتمع من ظواهر ونظم هو نتيجة العوامل الاقتصاديّة الفاعلة والمؤثرة فيه وكذلك المثل العليا والأفكار عند الإنسان والتي تعتبر من أثر العوامل الخارجيّة فهي في نظر ماركس وليدة البيئة الاقتصاديّة الماديّة وما يحصل فيها من تغيّر مستمرّ. فهي إذن نتاج ظروف الحياة اليوميّة وطموحات الإنسان المتجدّدة.

ويستنتج ماركس أنّ تاريخ المجتمعات هو تاريخ صراع طبقات : من أحرار أو نبلاء وعبيد وعامّة وخاصّة (أسياد) وخدم وأرباب وأجراء. كلّ هؤلاء وقفوا، عبر التاريخ الإنساني، موقف المعارضة الدائمة لبعضهم البعض وقاموا بحروب وصراعات لا انقطاع لها وهي تختفي عن الأنظار حينا وتظهر جليّا أحيانا أخرى. وهذه الصراعات هي من أجل السيطرة على المادّة بأشكالها المختلفة. ولقد برهن ماركس بطريقة ما على أنّ أسلوب الإنتاج في الحياة الاقتصاديّة  لمجتمع ما هو الذي يعيّن الطابع العامّ لطرق الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والروحيّة في ذلك المجتمع.

من ناحية أخرى، تتعارض المبادئ الماركسيّة مع كلّ الأديان التي يعتبرها ماركس "أفيون الشعوب"، ذلك أنّ النظريّة الماركسيّة لم تعترف إلاّ بالعنصر المادّي (الاقتصادي) في تفسير التاريخ وتعتبر أن جميع الأحداث تحدثها المصالح الماديّة وتحرّكها وحدها وفق تناقضاتها وتضارباتها. كما أنّ الله في نظر ماركس هو الكائن الذي أوجده الرأسماليّون وأرباب الإنتاج بصفة عامّة ليخدعوا به الطبقة العاملة ويشغلونها بالعبادة له حتّى تخلو لهم الدنيا ليستمتعوا بثرواتها لوحدهم. ومن الملاحظ أنّ ماركس قد تأثر بأسلوب الإقطاع وممارساته الغير إنسانيّة ولدور الكنيسة ورجال الدين المسيحيّين في العصور الوسطى في أوروبا وتحيّزهم له. كذلك الشأن بالنسبة إلى نظام الإنتاج في آسيا والعلاقات بين طبقة الأسياد والعبيد ودور الديانات والعقائد السائدة هناك في منح الشرعيّة لأصحاب السلطة وقادة الجند لإخضاع الشعوب واستعبادها.

ورغم الانتقادات التي تعرّضت لها النظريّة الماركسيّة، فهي أقرب النظريّات إلى المنهج العلمي وإلى المنطق التحليلي وتعتبر أنّ المادّيّة التاريخيّة المبنيّة على العلم والاقتصاد (انظر كتاب رأس المال) فريدة في ميدان العلم والمعرفة إلى يومنا هذا ولم تتأثر بعد بأزمة الإيديولوجيات في نهاية هذا القرن.

 د – نظريّة توينبي وشبنڤلر في تفسير التّاريخ :
يمتاز "توينبي" بين المختصّين في تاريخ الحضارة بدراساته المقارنة للحضارات وبنزعته الإنسانيّة المفرطة والخياليّة (استعمال الإنسان لذكائه لتطوير أجهزة الحرب لتدمير حضارته ونوعه، على حدّ تعبيره، عوضا عن نشر مبادئ المحبّة والتعاون بين الناس لخلق شعور عالمي بالأخوّة). لكن ما هي الخطوط العريضة لفلسفة توينبي في أصول الحضارات ؟

      توينبي والحضارات والمجتمعات البدائيّة :
لقد توصّل العلماء إلى تسجيل حوالي 650 مجتمعا بدائيّا وحضارة لا يزال معظمها قائما حتّى الآن لكن توينبي يرى أنّ وحدة الحضارة ليست حقيقيّة وهي وهميّة إلى حدّ ما. ولقد وقع المؤرّخون الغربيون المحدثون في خطأ لمّا تحدّث جلّهم عن وحدة الحضارة الإنسانيّة، إذ أنّ الحضارة المعاصرة استطاعت أن تلقي شبكة نظامها الاقتصادي على جميع أنحاء العالم بعد نجاح الثورة الصناعيّة. فكانت النتيجة أن تمّ توحيد العالم بالغزو الاقتصادي والعسكري والسياسي ولا نستطيع اتّخاذ ذلك دليلا على وحدة الحضارة، بل إنّما مظهر استهلاكي عامّ.

وتأكيد المؤرّخين لفكرة "وحدة الحضارة" (أي الغرب كمنبع واحد للحضارة المصنّعة) هي ناتجة عن عقدة الشعور بالتفوّق وجهل وجود الغير (égocentriseme). وينتقد توينبي فكرة العرق والجذر البشري (العنصريّة) المنبثقة من عقدة الغرب والتي تأثر بها مؤرّخو الغرب في محاولتهم تفسير نشوء الحضارة. ويقول توينبي أنّ الإنسان لا يأت بحضارة ما بفضل مواهب بيولوجيّة متفوّقة ولا بسبب بيئة جغرافيّة ممتازة وإنّما نتيجة ردّة فعل جماعي لتحدّي قيود الطبيعة وتسخيرها للحاجيات الاجتماعيّة.
     فلسفة "شبنڤلز" في التاريخ : 
      لقد شهد آخر القرن 19 اهتماما كبيرا بنظريات تفسير التاريخ ومقارنته بالعلم وبقوانين الطبيعة وتعدّدت المدارس الفلسفيّة  في هذا الشأن إلاّ أنّ أهمّها هي المدرسة الألمانيّة التي تأثرت بفلسفة هيقل وكانط اللذين يعتبران أنّ هدف العلم هو صياغة القوانين العامّة فيما أنّ هدف التاريخ هو وصف الحقائق الفرديّة. وقد جاءت في بداية القرن 20 نظريّة شبنڤلر التي تمثل عودة إلى الفلسفة الطبيعيّة وهي تعتمد طريقة تعاقب المراحل في نموّ الحضارات. وهنالك في هذا الاتجاه وجه تشابه كبير مع نظريّة ابن خلون في العمران لكن شبنڤلر  يذهب عكس ابن خلدون حينما يستنتج أو يعلن أنّ الهدف من وجود الإنسان وحضاراته هو مجرّد عمليّة بيولوجيّة دائمة تحوم حول نفسها ولا غاية لها.

ويتضح هنا أنّ  شبنڤلز كان مؤرّخا وجوديّا عقلانيّا يرى أنّ التاريخ لا يعني أكثر من سيل من الحوادث الماضية لا هدف له على الإطلاق، كأن حياة البشر باتت رحلة من اللاّ مكان إلى اللاّ مكان. فبدلا عن تقسيم التاريخ إلى قديم ووسيط وحديث، مثلما ذهب إلى ذلك المؤرّخين الفرنسييّن و الغربيّين، نجده يقسّمه إلى حضارات متعاقبة.

      ويتنبّأ شبنڤلر بتشاؤم بعصر من الشك التامّ والذي سيكون في نظره المرحلة الأخيرة والحتميّة من الحضارة المعاصرة. وقد جاء هذا كردّ فعل ضدّ عصره لتزامن صدور كتابه "نهاية الحضارة" الذي يحمل أفكاره هذه مع نهاية الحرب العالميّة الأولى واندثار بعض القيم. ونشاهد تشاؤما مماثلا بعيد الأزمة الاقتصاديّة العالميّة : الفنّ التشكيلي والأسلوب السريالي (والديزناي، شارلي شابلين، سلفادور دالي...) وهذا عادة هو من تأثير البيئة المباشرة على المفكرين.

ه – أهمّ المدارس التاريخيّة الحديثة والمعاصرة ومساهمتها في تطوّر علم التاريخ : 
      تطوّرت فلسفات التاريخ خصوصا منذ القرن 18 خلال عصر الأنوار حينما ظهرت أفكار حول مستقبل المادّة وتطوّر الكائنات الحيّة وتقدّم الإنسان. وفي القرن 19 تأثرا بمبادئ الثورة الفرنسيّة وبثورات أخرى في أوروبا أينعت فلسفات التاريخ من أجل البحث أو اكتشاف معنى للحياة البشريّة. وقد آمن بعض أعلام المفكرين آنذاك أمثال فولتار وكانط وكندورسي بحركيّة تصاعديّة للإنسانيّة نحو وضعيّة مثاليّة. وكانت آراء هيقل وكانط تمثل أنموذجا يحتذى به في هذا الاتجاه. فبدأ إذن تنظيم الفترات الزمنيّة وبدأ النظر في التحوّلات أو الديمومات وبدأ تحليل التطوّر العامّ للعالم عن طريقة المنطق الكارتزي أو الديكارتي.

      ومن ناحية أخرى باتخاذه من الماديّة التاريخيّة نظريّة علميّة لم يبتعد كارل ماركس عند إطار فلسفة التاريخ ذلك أنّ بالنسبة له يبقى تطوّر الإنسانيّة موجّه نحو هدف معيّن. ومع اتضاح أدوات المؤرّخ من مصادر مختلفة وبداية نقدها بدأت صناعة التاريخ تبتعد نوعا ما عن منهجيّة الفلسفة وقد أكّد أوڤيست كانط (1798–1857) صاحب النظريّة الوضعيّة (Positivisme) أو المنطقيّة فكرة علم المجتمع (على منهج ابن خلدون) والتي يسمّيها "الفيزياء الاجتماعيّة" والتي يمكن أن تكون مشابهة للعلوم الأخرى للطبيعة. وهذه "الفيزياء الاجتماعيّة" يجب أن تكون في نظره "علم الفصيلة" الذي يعتبر كـوحدة اجتماعيّة أبديّة. وقد عرف كانط هذا الاتجاه المعرفي "بعلم الاجتماع" الذي يدرس الطبيعة البشريّة وهو مفتاح الفلسفة الوضعيّة.

      وفي هذا الاتجاه، توصّل كانط إلى فهم الصعوبة المنهجيّة لعلم يتشابه فيه " العنصر الفاعل بالشيء" أي ينكّب الإنسان على دراسة أمثاله. وتأخذ نظريّة كانط مرجعيّتها من القرن السابع عشر حيث بدأت طريقة "التاريخ العلامي" (Histoire érudite) الذي يسلّط النظرة النقديّة على المراجع المعتمدة (أرشيف مثلا) أي بآتّباع الشك كطريق لليقين مبتعدا هكذا عن الإسناد (والعنعنة) وسرد الأحداث بسطحيّة. وفي الحقيقة منذ القرن السادس عشر ظهرت كتابة منهجيّة (أوعلاميّة) للتاريخ ترتكز على نصوص أكثر ثبات، تستعمل المعاجم وتهتمّ بقراءة الرموز ودراسة العملات القديمة المتداولة (Numismatique ) في التجارة. وبدأت هذه الطريقة في كتابة التاريخ تبحث حينئذ في "مهنة المؤرّخ" لأن الحدث المسرود لا يمثل في حدّ ذاته تاريخا ثابتا. فمهنة المؤرّخ تأخذ على عاتقها مهمّة الفهم والتفسير والإقناع المنطقي بالثوابت المدروسة (بعد إخضاعها للشك والتحرّي) ولا بالروايات فحسب. وهنا نلتقي إذن من جديد مع مقولة ابن خلدون في التاريخ ".... إنّ التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق" لما يفصل العلامة فنّ التاريخ أي الرواية أو أدب التاريخ، عن مهمّة التاريخ في البحث في حقيقة الأشياء وتحليلها، انطلاقا من نتائجها.

       ويذهب العلاّمة الفرنسي ميشلي (1798-1874) إلى حدّ بعيد في تحقيقاته مع الزمن إذ نجده يطمح إلى تحقيق "بعث الماضي الكلّي أو الكامل" أي إعادة بعث الحياة فيه بإعادة الحوار معه. وهذا هو طموح كلّ مؤرّخ علاّمة. لكن هذه المحاولة في الحوار مع الماضي وإعادة بنائه لا يمكن أن تكون في مستوى المؤرّخ الواحد وإن كان ذلك لما أدّى ربّما إلى نوع من المعرفة السطحيّة. وهنا يكون مبدأ التخصّص العلمي وتحديد دقّة الفترات الزمنيّة.

       ويأت في نهاية القرن 19 تكوين مجموعات الباحثين في التاريخ واتجاهاتها ونذكر مثلا في فرنسا "المدرسة الوضعيّة" أو "المنهجيّة" ومنها المؤرّخون لافيس (Lavisse ) ومونود وغيرهم والتي عمّرت طيلة فترة الجمهوريّة الثالثة (1871-1940). كانت لهذه المدرسة مبادؤها في كتابة التاريخ والتي تعتمد منهج البحث العلمي الرافض للمزايدات الفلسفيّة. وهنا يأت اهتمامها الأوّل بإحصاء المصادر ونقد الوثائق ثم بتنظيم الوظائف داخل المهنة. لكن هذه المدرسة لم تستطع اتخاذ موقف محايد أو موضوعي فانساقت في التبرير السياسي بتشجيعها للشعور الوطني وبتبريرها للمغامرات الاستعماريّة آنذاك ووقفت مع السّلطة في الحين نفسه.

       حقّقت المدرسة الوضعيّة أو المنهجيّة منعرجا فكريّا في كتابة التاريخ رغم تأسيسها لمادة علميّة تنتج خطابا إيديولوجيّا للقدر المسيحي (الديني) في توجيه مصير الشعوب وللتقدّمية المنطقيّة (pragmatisme rationaliste) وكذلك للهدفيّة الماركسيّة (Finalisme marxiste). ومنذ العشرينات برز اتجاه آخر في الكتابة التاريخية في فرنسا حوّل الإهتمام من السياسة إلى العنصر الاقتصادي والى التنظيم الاجتماعي والى علم النفس الجماعي.

 فهذا الاتجاه لا يعطي أهمّية للحدث في حدّ ذاته، لكنه يركّز على الزمن الطويل. ومن أقطاب هذا الاتجاه المعروف "بمدرسة الحوليّات" (والحوليّات هو عنوان المجلّة العلميّة التي تنشر مقالات هذا الاتجاه التاريخي في الكتابة) نذكر لوسيان فافر (L. Febvre) ومارك بلوك (Marc Bloch)  وغيرهم.

وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت "مدرسة التاريخ الجديد" التي استعملت الكثير من العلوم الرديفة لمادة التاريخ مثل الجغرافيا والاقتصاد والديمغرافيا والإحصائيات والانتروبولوجيا وغير ذلك... وقد أثّرت هذه المدرسة بكتاباتها عند بعض المؤرّخين في كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاّتينيّة وأوروبا الغربيّة. فهذه المدرسة ترى في التاريخ شيء آخر أكثر من تمرين أو مجرّد تمرين في الكتابة الأكاديميّة بل كأرضيّة لعلم تقدّم الإنسانية وتطوّرها. ومن أقطاب هذه المدرسة نذكر كذلك فرناند برودال وجلّهم يؤمن بالعلاقات المتداخلة أو المتكاملة بين العلوم الإنسانية.

وكان اللّجوء المستمرّ للمقارنات أو المقاربات المقارنة في منهجيّة المؤرّخ مارك بلوك وكذلك الرّغبة في إعطاء المؤرّخ تكوينا متعدّد المواد العلميّة وكذلك الرّغبة في منهج البحث الجماعي يعكس أو يشرح مدى إيمانه المتجذّر في وحدة علوم الإنسان أو التي تبحث في حياة الإنسان. والشيء الذي يريد أن يفصح عنه مارك بلوك في هذا التعريف هو"مشهد الأنشطة الإنسانية الذي يمثّل الموضوع الخاص للتاريخ" ولا يوجد في رأي بلوك إلاّ "علم واحد للبشريّة عبر الزمن والذي هو في حاجة دائمة لتوحيد دراسة الأموات إلى (أو مع) دراسة الأحياء".  فعلم التاريخ يحتّم على المؤرّخ محاولة الفهم والتصدّي للأحكام المسبّقة ولمشاعره الخاصة وكذلك لميولاته الإيديولوجية التي تحجب عنه الموضوعيّة والحقيقة التاريخية أو المعرفة الموضوعيّة.
  ________________________________________
2 - مدخـل إلى ابستيمولوجيـا التاريــخ

إنّ ابستمولوجية التاريخ تعين المدرّسين على بناء تعليميّة التاريخ لأن التاريخ الذي نساعد الدّارسين على تعلّمه والطرق المستعملة للوصول إلى ذلك مرتبطان بالإجابة عن السّؤال الجوهري التالي : ما هو التاريخ ؟   فهو من الضروري إذن تعريف التاريخ وضبط حدوده الابستيمولوجيّة. إنّ تعلّم التاريخ يطرح، في الحقيقة، على الدّارس عدّة قضايا متشعّبة. فالهدف من ذلك لا يبدو واضحا. كما أنّ المستوى الذّهني للتّلميذ وتجربته الناشئة في الحياة لا تسمحان له دائما بفهم حياة الكهول في الماضي.

1      - التّاريخ من وجهة نظر المؤرّخين:
يعرّف لوسيان فابر ومارك بلوك مؤسّسا مدرسة الحوليّات  (Ecole des Annales) علم التاريخ على أنّه فيزياء اجتماعية تدرس الجسد الاجتماعي عبر الزّمن والمجال. فهو دراسة شاملة وعقلانيّة للمجتمعات في بعدها الزّمني والجغرافي. إنّه علم متشعّب الدّراسات مختلف الرّوافد يهتمّ بكلّ ظاهرة تمسّ ماضي المجتمعات، سواء كانت هذه الظّاهرة سياسيّة أو اقتصاديّة أو بشريّة أو ثقافيّة أو حضاريّة. غير أنّ هذا البعد العقلاني والشامل الذي تختصّ به الدّراسات التاريخيّة المعاصرة، لم يكن دائما يلازم اهتمامات المؤرّخين، ذلك أنّنا بصدد علم قديم قدم الحضارات الإنسانية، تداولته الأمم منذ فجر البشريّة وعرف خلال تاريخها الطّويل ممارسات متعدّدة ومختلفة.

ويُجمع المختصّون على اعتبار الرّحالة اليوناني هيرودوت [480 - 425 ق. م] أب التاريخ لأنّه أوّل من ترك أثرا مكتوبا في ذلك [ترك لنا هيرودوت كتاب Histoires  الذي يروي فيه رحلاته إلى مصر الفرعونيّة وفارس والشّام ويتحدّث فيه عن الصّراع القائم خلال القرن الخامس قبل الميلاد بين العالم المتحضّر والبرابرة). وفي هذا الاتّجاه، ظهر في الثقافة العربيّة الإسلامية العديد من المؤرّخين أمثال الطّبري (صاحب كتاب تاريخ الأمم والملوك) وابن الكلبي والواقدي وابن الأثير والأزدي وعبد الرّحمان بن خلدون وغيرهم.

ويعتبر ابن خلدون أوّل مؤرّخ عربي انتبه إلى الموضوع المتشعّب للتّاريخ وإلى بعده العقلاني. فكتب في المقدّمة معرّفا إيّاه ما يلي : "إنّ فنّ التاريخ هو من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشدّ إليه الرّكائب والرّحال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على الإخبار عن الأيّام والدّول والسّوابق من القرون الأولى (...) وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها العميقة".

2      -  التّـاريخ العلاّمـي أو التاريخ من وجهة نظر العلماء :
    إنّ التأريخ الذي ينتجه المؤرّخون يمثّل إبداعا إنسانيّا لأنه إعادة لكتابة الماضي وبناؤه على ضوء الاعتبارات الحاضرة. وكثيرا ما يركّز بعض المؤرّخين على إبراز الحدث التاريخي (سقوط قرطاج أو ثورة علي بن غذاهم أو الحروب العالميّة ...) لكن هذا الحدث هو بناء يقوم به المؤرّخ نفسه. وصحيح أنّ الأوّلين قد تركوا لنا آثارا مادّية تخبر عن حياتهم (من كتب ورسائل وبناءات ورسوم)، لكن المؤرّخ الذي يعتني بهذا التراث المادّي واللاّمادي يقوم بذلك انطلاقا من إشكاليّة معاصرة. فبالإضافة إلى عدم اكتراثه بكلّ الأحداث التاريخيّة، فهو يقوم باختيارات حسب اهتماماته آنذاك. كما لا يتمثّل عمل المؤرّخ في تجميع الأحداث ووصفها عن طريق الوثائق التاريخيّة المتوفّرة فحسب، بل أيضا في المجهود الذي يبنى من خلاله الحدث التاريخي بالاعتماد على الوثائق وبإتّباع المنهج العلمي.

 وإن يتموقع الباحث في الماضي، فإنه يقوم باستمرار بعمليّة الذهاب والإيّاب عبر الذاكرة الجماعيّة. فلا وجود لحقيقة تاريخيّة مُعطاة إذ أنها تّبنى، والحقيقة هي من خلال الإشكالات التي يطرحها المؤرّخ واعتمادا على الفرضيّات التي يصوغها لقراءة الوثائق المتوفّرة لديه. وتطرح هذه المسألة مشكلين في غاية من الأهمّية :

·       الأوّل: ابستمولوجي ويفضي بالتّساؤل حول الحقيقة التاريخية وأحاديّة معرفتها.
·       الثاني: تعلّمي ويفضي بالتساؤل عن الوسائل الواجب على المدرّس استعمالها حتى يعين التلميذ على بناء الحدث التاريخي عبر جدليّة الزّمن والحدث والمجال.

    إنّ التاريخ بوصفه علما أساسيّا من بين العلوم الإنسانية، إن لم نقل محورها، يبحث في حياة الإنسان عبر الزمان التاريخي ومن كلّ الزّوايا. فهو في حاجة إلى أبراز الحدث التاريخي وإلى الوصف، لكن ذلك يكون كوسيلة للشّرح ولفهم ألغاز الماضي وفق تصوّر الحاضر الذي نعيشه، لأنّنا نتعامل مع الماضي وفق تساؤلاتنا الحاضرة، صعودا من النتيجة إلى الأسباب أو المسبّبات. وفي هذا الصّدد يقولLucien Febvre  إنّما يتمّ استجواب الماضي من منطلق الحياة وإشكاليّاتها. فالتّاريخ هو استعمال ثقافي للماضي (بالمفرد أو الجمع)

    ولا بدّ أن يرتبط التاريخ بإشكاليّة ما. فإذا لا توجد الإشكالية فلا يوجد التأريخ لأن البحث في حفريّات الذاكرة لا يكون عفويّا أو من باب الإمتاع والمؤانسة و التأمّل في الماضي لمعايشته. فالتاريخ مثلما يقول Antoine Prost، لا يجب أن يخضع إلى خدمة الذّاكرة فحسب بل إلى تحويلها، أملا في تطلّعات المستقبل وفي البحث عن المشروع الجماعي.

    فلا يكتب التأريخ للتّاريخ، بل يخدم قضايا إنسانية وعلميّة. وأصبح يصنّف من ضمن العلوم التي تبحث في حياة الإنسان عبر موضوع الزّمن منذ أن عرّفه ابن خلدون في مقدّمته بكونه لا يزيد في ظاهره عن الإخبار وفي باطنه إنّما هو نظر وتحقيق. فالتأريخ إذن ليس مجرّد إثبات أو إبراز حقائق جدّت بالماضي، بل يهتمّ خصوصا بدراسة مغزاها، وفق إشكاليّات الحاضر وانطلاقا منه، مثلما تؤكّد على ذلك مدرسة التاريخ الجديد.

     فهناك عمليّة استجواب الماضي بهدف محاولة فكّ ألغازه. وهذا ما يطرح علينا جدليّة الزّمن وعلاقة الحاضر بالماضي وعكس ذلك. هكذا تكون إذن المعرفة التاريخيّة غير مجّانية وفي خدمة قضايا إنسانية وعلميّة وهكذا يستجيب التأريخ لوظائفه الابستمولوجيّة التي تتمحور أساسا حول مواضيع : الهويّة والغيريّة والقيم المدنيّة والإنسانية والمعرفة والفكر النّقدي.

هذه الوظائف تعني بالنسبة للهويّة موضوع الانتماء الجغـرافي- الحضـاري (أو الثقافـي) الوطني والقومي. ومثلما نهتمّ بالهويّة يكون الاهتمام بالغيريّة بنفس القدر، لأن العلاقة مع الآخر ضروريّة في كلّ الحالات: سلميّة كانت (سفر وتبادل في جميع المجالات الماديّة والفكريّة ) أم عنيفة أو عدائيّة (للدفاع عن المصالح والكيان).

    أمّا موضوع القيم، فهو يندرج ضمن الوظيفة التّربويّة  التي تؤكّد على القيم الإنسانية وعلى مكوّنات المجتمع المدني. وتهمّ أيضا تنمية الفكر النقدي وتطويره بالاطّـلاع على تجارب الأمـم الأخـرى، وفق منهجيّـة المقارنـة البرودوليّـة (comparatisme braudelien).

وانطلاقا من هذه التّعريفات للتاريخ، كعلم من العلوم الإنسانية، يمكن اقتراح هذه المقاربة وفق الرّسم البياني التّالي الذي يلخّص علاقة الزّمن بالمجال عبر الحدث أو فعل الإنسان والذي يمكن أن يؤدّي إلى قراءتين:
- وصف حركيّة الرّسم وتؤدّي إلى الرّواية التاريخيّة
- تحليل حركيّة الرّسم وتؤدّي إلى الدّراسة العلميّة للتاريخ.

         الحـدث و(تداعـيّاتــه)



               المـجـــــال

الـزّمــــن

3      -  تطوّر مصطلح التاريخ :
مرّت كلمة التاريخ بتطوّرات في الثقافة العربيّة، فقد بدأت بمضيّ التقويم في صدر الإسلام، واحتفظت بهذا المعنى لفترة. ثمّ صارت بمعنى آخر وهو تسجيل الأحداث على أساس الزّمن، لتحلّ كلمة "التاريخ" تدريجيّا محلّ ما كان يعرف باسم "الخبر"، وصارت تطلق على عمليّة التدوين التاريخي، وعلى حفظ الأخبار، بشكل متسلسل، متصل الزمن والموضوع،  للدلالة على هذا النوع الجديد من التطور في الخبر والعمليّة، منذ منتصف القرن الثاني الهجري. وأصبحت كلمة "تاريخ" تحمل أربعة معاني في العربيّة :

* سير الزمن والأحداث، أي التطوّر التاريخي، كالتاريخ الإسلامي، وتاريخ اليونان
*  تاريخ الرجال أو السير الشخصيّةla biographie   L’histoire de
* عمليّة التدوين التاريخي، أو التأريخ، مع وصف لعمليّة التطوّر وتحليله L’historiographie 
* علم التاريخ والمعرفة به، وكتب التاريخ.                                              

4      -  المحاور التّاريخيّة :
هي : الزمان والمكان والإنسان. نعني بالتاريخ في فترة زمنيّة، أو نعني بالتاريخ في منطقة أو بلد بعينه، أو نعني بالتاريخ الأشخاص بأعيانهم.
المؤرّخ : هو الذي يقوم بتحويل الحدث إلى مادّة تاريخيّة عن طريق البحث عن أثر الحدث. والحدث التاريخي هو حدث المؤرّخ، أي أنّه ينتج عن تحقيق وبحث. ولكلّ مؤرّخ طريقته في التعامل مع التاريخ حسب توجهه الفكري ومنطقه.
الحدث : هو هدف يأمل المؤرّخ الكشف عن خلال الوثيقة. وكلّ مؤرّخ يكوّن حدثا بما لديه من من معلومات مستخرجة من الوثائق.
الوثيقة : هي أثر الحدث، إذ أنّ كلّ واقع ماثل أمام المؤرّخ ليس بحدث هو أثره. وهي عبارة عن رموز (بقايا حجريّة، مخطوطات، رسائل، تقارير ... ) تمثل شهادات عن واقع مضى.

5      -  التاريخ بين النظرة التقليديّة والنظرة الحديثة :
التاريخ هو كما جاء في التعريفات السابقة إمّا: تسجيل عفوي للأحداث، أو معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم، أو إخبار عن الأيّام والدول، أو معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم إلى غير ذلك، أو جمع المعلومات والأخبار عن البلدان وعن الأشخاص من حيث النشاط البشري عبر الزّمان ... يبرز من خلال هذه التعريفات الاهتمام بالأحداث التاريخيّة حسب حقيقتها الماديّة، وأنّ العمليّة تقتصر على الإخبار والرواية والسرد دون تحقيق وتمحيص ودراسة مبنيّة على النقد.

ويذهب ابن خلدون إلى حدّ القول بأن فحول المؤرّخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجموعها، وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهمّوا فيها أو ابتدعوها، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها... ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا رفضوها وأدّوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا لا رفضوا ترّهات الأحاديث ولا دفعوها، فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب للأخبار خليل. ويوضّح بالتأكيد على أن في كتابة التاريخ نظر وتعليل فيقول: وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق.

أمّا مفهوم التاريخ لدى المفكرين المحترفين المعاصرين فلا يمثل مجموع الأحداث الواقعة في الماضي ويرويها المؤرّخ كما وصلت إليه، وإنما يعني عندهم تركيبة معتمدة على وثائق (شواهد) عديدة، ويصبح الماضي بالنسبة إليهم عبارة عن عمليّة استنتاج وليس عمليّة ملاحظة.
يقول بوركهارت "أصبحنا لا نفهم أيّا من شؤون الماضي إلاّ إذا عدنا بذهننا إلى ظروف نشأته واستحضرنا الأسباب"
L’histoire est à la fois l’étude des faits, des événements du passé.
Par delà les époques et les méthodes, et quel que soit le but sous-jacent du travail de l’historien, l’histoire est toujours une construction humaine, inscrite dans l’époque où elle est écrite. Comme le dit l’historien Antoine Prost, « l’histoire, c’est ce que font les historiens ».

من ناحيّته، يؤكّد بوركهارت، الرحّالة والمؤرّخ السويسر(1784-1817)، بأننا قد "أصبحنا لا نفهم أيّا من شؤون الماضي إلا إذا عدنا إلى ظروف نشأته واستحضرنا الأسباب" فالتاريخ لدى المفكرين المحترفين المعاصرين لا يمثل مجموع الأحداث الواقعة في الماضي ويرويها المؤرّخ كما وصلت إليه، وإنّما يعي تركيبة معتمدة على وثائق (شواهد) عديدة، ويصبح الماضي بالنسبة إليه عبارة عن عمليّة استنتاج وليس عمليّة ملاحظة. فيجب أن يمكن التاريخ من معرفة مجتمعات الماضي من أجل تصوّر أو هندسة مشاريع مجتمعيّة مستقبليّة. وهذا ما تسعى إليه البرامج المدرسيّة من خلال ما تعده من أدوات (كتب مدرسيّة) تدفع إلى فهم الأحداث وفق رؤية تحليليّة بالاعتماد على وثائق (شواهد). فيصبح الماضي حاضرا لبناء المستقبل ويصبح للمؤرّخ دور أساسي به.
___________________________
II     - تعلّمية التاريخ :

1- الاتّجاهـات الكبـرى في تعلّمية التّاريـخ

1      ) - أهداف/ دراسة وتدريس التّاريخ وتعني :
·         الحاجة الفكريّة للمعرفة  Besoin de savoir  )) باقتناء المعارف وإيقاظ رغبة الاطّلاع الثقافي والتمرين الفكري،
·         تطوير الفكر النّقدي (  savoir – faire ou savoir penser) ويعني تطوير القدرات الفكريّة والإبداعيّة عند الدّارس بتطوير الحسّ المنطقي عنده،
·       الشعور بالحاجة للهويّة والتّربية المدنيّة ((savoir – être   ويعني :
- الانتماء الجغرا- ثقافي والحضاري
- التفتّح على القيم العالميّة والإنسانية
- تطوير جانب التسامح أو الميل إلى التسامح
- تطوير الشعور المدني والاجتماعي
- تطوير القيم الأخلاقيّة واللّحمة الاجتماعيّة أو الوطنيّة (التضامن وحبّ الخير للآخر...)
       فالتأريخ يلبّي أو يستجيب للحاجيات الثقافية والتربويّة والاجتماعية والسياسية وتكون وظائفه إذن في نفس الوقت سياسية واجتماعيّة ومدنيّة وفكريّة نقديّة إلى جانب العلاقة مع الذّاكرة وتنشيطها. كما إن تنشيط الخيال الجماعي هو في حاجة إلى التاريخ وذلك لفهم الحاضر واستشراف المستقبل عبر جدليّة الماضي أو الحاضر المستمرّ والمستقبل.

         إن التّعلّميّة هي إذن التّصرّف في هذه المعارف بمهارة في تبليغها ويتمّ هذا عبر التفكير المنطقي وعبر الحوار والمشاركة الفعلية بواسطة الدرس المناقش بأسلوب تفاعلي، عكس الدرس الإملائي الذي يرمي إلى تنشيط الذّاكرة بالحفظ وبإعادة اجترار المعارف المكدّسة عوض تطوير الذّكاء. والطّريقتان في تبليغ المعرفة تنتجان نمطين من الإنسان : إمّا المواطن الواعي بواجباته وحقوقه وإمّا الرعيّة الخاضعة. فالعلاقة مع المعرفة،  تكوينيّة كانت أم تلقينيّة، هي أساس نوعيّة الإنتاج الاجتماعي.
2 ) - طبيعة المعارف التاريخيّة :
      تبوّب المعرفة وفق صنفين :
- المعرفة العالمة أو العلاميّة (التاريخ المنهجي)
- المعرفة المدرسّية (تواريخ، معطيات، كلمات، مصطلحات، مهارات، تساؤلات...إشكاليّات، طريقة أو منهجيّة في التفكير).
فهذه المعارف التاريخيّة هي أيضا رهينة :
* التزامات البرامج المدرسيّة..
* التزامات جداول الأوقات والامتحانات...
* البحث العلمي ونتائجه
* التقاليد المدرسيّة
* علاقة المدرّس مع الماضي والزّمن وتمثّلاته في معايشته الماضي.

      إنّ تعليم التاريخ يعني في الوقت نفسه التساؤل حول طبيعة المعرفة ومحاولة تقليص صعوباتها المنهجيّة. وهذا يتمّ عبر التّحليل الابستمولوجي والتصرّف المعرفي انطلاقا من زاوية المعرفة المدرسيّة وعلاقاتها مع المعرفة الأكاديميّة، مرورا بالمعرفة التي تروّجها وسائل الإعلام.  فعمليّة إعداد الدّرس وإثرائه من طرف المدرّس، تعني الإلمام بالزّوايا الثلاث لهذه المعارف التاريخيّة.
2      ) - التفكير التعلّمي في التاريخ :
       يخضع إنتاج المعرفة التاريخيّة إلى:
- الطّموح إلى الحقيقة التاريخيّة،
- المبادرة، وهي ضروريّة لإتمام المراجع (الدّراسة الميدانيّة، التساؤلات، تصوّرات)
- اعتماد الزمن التاريخي (المدى الطويل، المتوسّط، القصير، كمقياس له)،
- محتوى التاريخ المراد تبليغه،
- المصطلحات والأحداث والتعبير عن الأفكار.

إن أهم المصطلحات في ابستيمولوجيا وتعلّمية التاريخ هي : الزّمن – الحدث – الهويّة - الغيرية - القيم الإنسانية العليا – المجال الثقافي – التمثّلات – الوضعيّة المشكل  – الشراكة أو الدائرة التعلّمية. وتتمحور حولها عملية التّصرف في المعرفة التاريخيّة.

·       المعرفة التاريخيّة والمعرفة المدرّسة : الوظائف، الاستعمالات والمرجعيّة :
   يمكن تبويب وظائف تدريس التاريخ كما يلي:
أ‌-     إيصال الذّاكرة الجماعيّة أو تبليغها
  ب- تكوين الحسّ النقدي عند المتعلّم
     ج- تكوين المنطق (القدرة على الاستخلاص)
      د- تكوين الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي (الوعي المدني).
·       استعمالات التاريخ :
أ‌-      معايشة الماضي (للاطّلاع على التجارب والقيم الإنسانية والحضاريّة)
ب - تغذية التّصوّر وإثراء مرجعيّة الهويّة
ج-  إبراز شرعيّة القضايا العادلة
د- غذاء الفكر أو التفرّغ الفكري...(loisir intellectuel)
·       مرجعيّة التّاريخ المدرسي أو المعرفة التاريخيّة المدرسيّة :
     تكمن هذه المرجعيّة في التاريخ العلاّمي والثقافات والعلاقات النشيطة والشّعوريّة مع الذّاكرة، وبالعمل على فهم الحاضر وعلى استشراف أو تصوّر مستقبل أفضل (المشروع الاجتماعي).

3 ) - المدرسة وتعليم المعرفة التاريخيّة :

   تعتبر التعلّميّة وسيلة للتفكير من أجل تحسين مردوديّة التعليم. وتتمثّل الوظائف الموكلة لتعليم التاريخ من طرف المدرسة في:
           - أهداف مدرسيّة : وتعني تهيئة التلاميذ للامتحانات،
           - أهداف ثقافيّة : وترمي إلى تنشيط الذّاكرة الجماعيّة والتفتّح على القيم الاجتماعيّة والسياسيّة في سجلّ الإنسانية.
           - الأهداف العلميّة : وتتمثّل في المعرفة العلميّة وتطوير الفكر النّقدي، إلى جانب دور مدرّس التاريخ في إخراج أو تركيب المعارف المدرسيّة.

      إنّ تعلّميّة التاريخ تمثّل أداة تفكير للمساعدة على تدريس أفضل. و يمثّل ذلك مهنة يتمّ حذقها بواسطة الخبرة خصوصا، وكذلك بواسطة التفكير النظري والممارسة التّطبيقيّة.

      أمّا الوظائف التي تمنحها أو تفرضها المدرسة لتعليم التاريخ، فتتمثّل في :
-       الوظيفة التّربويّة والتكوينيّة (المنظّمة بقانون الامتحانات)
-       الوظيفة الثّقافيّة (الذّاكرة الجماعيّة) وتطوير الفكر النّقدي بالاطّلاع على الحضارات الإنسانية الأخرى.
     وتتخذ العمليّة التعلّميّة من المصطلحات الآتيّة تمشّيها:
- التعليم : ويعني تصميم الدّرس والتمشّي المنطقي في بناء المعرفة أو بيداغوجيا التكوين،
- التعلّـم : ويتمثل في العلاقة مع المعرفة بنسج شراكة مع الدّارس عبر  وساطة يقوم بها المدرّس بين المعرفة المدرسيّة والتلميذ، 
- التقويم : ويتمثّل في أنشطة دعم عبر تمارين لترسيخ المكتسبات أو تملّكها،
- التقييم : وهو قياس تحصيل الكفايات  acquisitions) ( بهدف تطوير الأداء (عكس التعليم الذي يعتمد على التلقين والحفظ والذي يقيّم اجترار المعلومة
- فهم واستعمال المصطلحات كأدوات التحليل ( عكس المفاهيم الذاتيّة التي تختصر على الوصف )،
- الرّفع من مردود المؤسّسة بالحدّ من الإخفاق المدرسي.

      وتأخذ العمليّة التعلّميّة شكل الرسم البياني التالي الذي يلغي " المثلّث التعلّمي" بعد أن أصبح المدرّس لا يمثّل الواسطة الوحيدة في تبليغ المعرفة، بل تمّت مزاحمته من طرف وسائل أخرى مثل الأسرة والأنترنات وغيرها... كما أصبح التلميذ ذاته محور العمليّة التربويّة...


التلميذ
 
  
   4) - الاستعمالات الثقافية للماضي : بناء الهوية والعلاقة مع الآخر عبر القيم الإنسانيّة :
الأنا/  الهـُويّـة
    أو الذّاتيّة

 
  Diagramme de Venn

تبدأ عملية تعلّمية التاريخ بالتّفكير في ماهية المعرفة أو ابستيمولوجية التاريخ الذي يمثّل جانبها النظري وتنتهي بتملّك هذه المعارف عبر تطبيقات التّدريس باعتماد الرّسوم البيانية. إن تعلّمية التاريخ، أو التّصرف في المعرفة التاريخيّة، هي في الحقيقة عملية إعادة التفكير في مغزى الزّمن والحدث. فهي عبارة عن ضخ نصيب من المنطق داخل الذاكرة الجماعية. كما تهدف تعلّمية التاريخ إلى استيعاب مغزى وجدلية المراحل الحضارية الإنسانية الأربع : مرحلة التأسيس لإنسانية الإنسان، فمرحلة التأسيس للمدنيّة (أو انسانية المجتمع) ثم مرحلة ممارسة المدنية و أخيرا مرحلة الكونيّة وكل ذلك يكسب الدّارس الحاسّة التّاريخيّة التي تمكّنه من التّفاعل الإيجابي مع المادة المدروسة.

ويكون ذلك جليّا عبر المسار الحضاري الإنساني ذي المراحل الأربعة التّالية :
    

مرحلة العالميّة أو الكونيّة
(ما بعد المعـاصرة)
 
ردود فعل المجتمعات المدنيّة والأمم
(بدائـل العولـميّـة)
(Altermondialisme)
 
 

إن المشروع التاريخي يكمن في البحث عن مستقبل أفضل عبر الذاكرة، في ماض متجدّد البناء، محوّل إلى استمرارية زمنيّة، إلى حاضر أبدي ملزم للصيرورة الجماعيّة. وتمثل هذه الرّسوم البيانية إشارات واضحة (نوعا من البوصلة) ووسائل بيداغوجية ناجعة لترسيخ منطق تحليلي يمكّن من تتبّع مسار الصيرورة الحضارية بكل وضوح.



_______________________________________________________________________________

2   -  التاريـخ ومنهجيـّة تدريسه

1) الأهداف العامّة لمادّة التاريخ :

اعتبر التاريخ المدرسي مادّة أساسيّة في التكوين الفكري والمعرفي للمتعلّم، وذلك بتنمية ذكائه الاجتماعي وحسّه النقدي، وتزويده بالأدوات المعرفيّة والمنهجيّة لإدراك أهميّة الماضي في فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل، وتأهيله لحلّ المشاكل التي تواجهه. فهو يستمدّ وظيفته المجتمعيّة من مساهمته مع العلوم الاجتماعيّة الأخرى في : 
-      التكوين الشخصي للمتعلّم بتلقينه ذاكرة جماعيّة تتسع من المجموعة المحليّة إلى الأمّة ثمّ إلى الكون
-      تمكين المتعلّم من فهم مجتمعه والتموضع فيه، حتى يصبح فيه مشاركا وفاعلا
-      التكوين الفكري للمتعلّم بتنمية حسّه النقدي وتكوين عقله.
·      أهداف مرتبطة بالمعرفة :
-      فهم منظم للعالم ومشاكله المعاصرة بالرجوع إلى الجذور التاريخيّة
-      فهم الصيرورة التاريخيّة بهدف التموضع أو التموقع في سجل مستقبلي
-      اكتساب المقاربة التاريخيّة لمعالجة القضايا البشريّة المرتبطة بالماضي بأبعاده المختلفة
-      اكتساب مجموعة من المفاهيم التاريخيّة والقدرة على توظيفها في وضعيّات جديدة
-      معرفة أصول الهويّة وترسيخ ومفهومها.
·       أهداف مرتبطة بأدوات اكتساب المعرفة :
-      تنمية مهارات التفكير النقدي
-      الدقة في ملاحظة واستغلال الوثائق عن طريق منهجيّة صارمة
-      اكتساب الأدوات المنهجيّة لمسائلة التاريخ
-      القدرة على التحليل والاختيار وتنظيم المعطيات التاريخيّة
·      أهداف مرتبطة بالمواقف :
-      فهم واحترام الاختلافات
-      اتخاذ مواقف واعية من القضايا التاريخيّة
2 ) منزلة مادّة التاريخ ودورها في تحقيق الكفايات الأفقيّة (في البرامج الرسميّة) :
تساهم مادّة التاريخ ودورها في تكوين المتعلّمين من خلال دراسة ماضي المجتمعات البشريّة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل وتنشئتهم على القيم الإنسانيّة وعلى المواطنة الفاعلة. وهي تمكّن المتعلّم مع بقيّة المواد الاجتماعيّة من تملّك كفايات الفهم والنقد وبناء المواقف في علاقتها مع الكفايات الأفقيّة الواردة ببرنامج البرامج وبالقيم المرجعيّة التي تنبني عليها الشخصيّة الوطنيّة والانتماء الحضاري.
ومن هذا المنطلق ترمي مادة التاريخ إلى تحقيق المقاصد التربوية التالية :
-      هيكلة الزمن التاريخي
-      إعادة بناء الماضي باعتماد منهجيّة علميّة
-      الترقية الذهنيّة للناشئة
-      التدرّب على التنسيب
-      المحافظة على الذاكرة الجماعيّة وتغذيتها
-      تجذير الناشئة في هويّتها العربيّة الإسلاميّة والاعتزاز بها
-      التعرّف إلى الآخر والتواصل معه
-      إدراك أن الحضارة الإنسانيّة هي نتاج مشترك للمجتمعات البشريّة
-      التعامل مع مختلف مصادر المعرفة وتوظيف التكنولوجيات الحديثة
ويتطلّب تحقيق هذه المقاصد اعتماد تمشيّات بيداغوجيّة مبنيّة على الإدماج في إطار المقاربة بالكفايات تراعي تدرّج تعلّمات متنوعة حسب مستوى التلميذ.
  3 ) أهميّـة الكفايـات المنهجيّـة :
   مازالت دروس التاريخ في أقسامنا تقوم على المنحى الإخباري، بحيث يتمّ التركيز على الجانب المعرفي دون غيره حسب ما جاء من توجيهات منهجية صارمة من شأنها أن تحقق المطلوب حيث يعتمد بعض المدرّسين إلى استدراج المتعلّمين إلى بناء خلاصات للدروس تريح الطرفين من كلّ عناء عوض الاستعداد بتوفير الوثائق والوسائل المناسبة وتوخي المنهجيّة الملائمة التي تطوّر مكتسبات المتعلّمين وتنمّي كفاياتهم المستوجبة على النحو المشار إليه في البرامج الرسميّة والوثائق المصاحبة لها. فبتغيّب الكفايات المنهجيّة يتمّ حرمان المتعلّمين من اكتساب كفايات أفقيّة هامّة لأنّ ما تسعى إليه المدرسة هو إنتاج المعرفة التاريخيّة أكثر من التركيز على منتوجاتها وتنمية استقلاليّة المتعلّم وجعله مكتسبا للأدوات المنهجيّة لإدراك أهميّة الماضي في فهم الحاضر والتطلّع إلى المستقبل وتأهيله لحلّ المشاكل التي تعترضه.

     وللتذكير فإنّ المربّين مدعوّون إلى إكساب المتعلّمين القدرة على : استثمار المعارف والمهارات المكتسبة لابتكار البدائل والخيارات في حلّ المسائل التي تعرض لهم والتكيف مع المتغيّرات والمبادرة والابتكار والعمل الجماعي والتعلم مدى الحياة، حسب ما جاء في برنامج البرامج.
·       صعوبـات المـادّة :  يواجه تدريس التاريخ صعوبات تتمثّل في :
1 – ارتباطها بأزمان بعيدة
2- اختلاط الأحداث والتواريخ
3 – إدراك العلاقات المكانيّة
4 – إدراك علاقات التأثير والتأثر بين الأفراد والظواهر
5 – تنوّع أساليب حياة الآخرين في إطارها الاجتماعي والاقتصاد والسياسي وصعوبة تصوّرها
6- مفاهيم العدل والحريّة والظلم والحق والواجب والضعف والنوع
7 - المكان أو المجال والزّمان يرتبطان بمجال التمثّلات عند التلاميذ
·       الوسائل التعليميّة و تعدّ ركنا أساسيّا في مقاربة دروس التاريخ لأنها :
-      تساعد على الإسراع في عمليّة فهم الدرس
-      تكشف الغموض عن الماضي وتنير الحاضر
-      تساعد على تشويق التلاميذ والإقبال على المادّة المدروسة
-      تيسّر استجلاء الأحداث والمعاني والقيم
-      تجعل تعليم التاريخ عمليّة حسيّة أكثر منها عمليّة لفظيّة شفويّة
-      تثير الاهتمام والرغبة نحو دراسة التاريخ والإقبال على الدرس والبحث
-      تقوم بدور كبير في التأثير على قيم واتجاهات الطلاب
-      تساعد على تنمية معارف الطلاب ومعلوماتهم
-      توفر خبرات حسيّة من شأنها أن تطوّر نسبة التذكر
-      تحلّ محلّ الخبرة المباشرة التي يصعب الوصول إليها لمشاهدتها
-      تساعد الطلاّب على التفكير السليم بإيضاح معالم الإشكاليّة المطلوب دراستها وحلّها
-      تساهم في حلّ مشكلة الفروق الفرديّة بين الطلاّب
-      تختصر كثيرا من الوقت والجهد المبذولين من قبل المعلّم
وتنقسم الوسائل المعينة لمادة الدراسات الاجتماعيّة بالاستناد إلى الحواس إلى :
أ - وسائل بصريّة : مثل السبورة بأنواعها المختلفة والخرائط والكرة الأرضيّة والصور والوثائق التاريخيّة والإحصائيات والرسوم البيانيّة وطوابع البريد والنماذج والعيّنات والشرائح والأفلام ومنضدة الرمل وغيرها ...
ب - وسائل سمعيّة : مثل الإذاعة والتسجيلات الصوتيّة، والأفلام المتحركة والتمثيليات والتلفزيون وخاصّة الحاسوب.

·       من أهمّ الوسائل التّعلّميّة :
أالعيّنة: وهي من الوسائل الضروريّة لتدريس التاريخ لأنها تمثل واقع الأشياء أو جزء منها، فالمتعلّم يتصل مباشرة بالشيء ويستعمل حواسه للاستنتاج المعلومات
أمثلة : الملابس والأزياء، والأدوات المنزليّة القديمة، والأسلحة، والنقود والطوابع التذكاريّة، وأدوات الزراعة والصناعة والصيد، والآثار وغيرها ...
ب – النموذج : هو تقليد مجسّم للشيء الحقيقي بصورة مصغّرة، لاستعاضة عن الجسم الأصلي بنموذج يضاهيه في الشكل والتفاصيل. فالمعلّم يستطيع أن يحضره إلى الفصل  ولكنه لا يستطيع إحضار حنايا زغوان إلى نفس القاعة، كما أنه ييسّر اكتشاف المعلّم من زوايا متعدّدة ثلاثيّة لا تسيير بواسطة الصورة.
ج - الصور : الصور تساعد على توضيح معنى الكلمة وإبراز معاني الأفكار والعلاقات التي تستوضح من خلال التفسير والشروح، وتعد سجلا للظواهر التاريخيّة التي يجب الاتصال بها مباشرة، فهناك صور الشخصيات وصور الأدوات الحربيّة وصور الزراعة والصناعة وهناك صور الملابس التي تمثل العادات والتقاليد.
د – الخرائط : المواد الاجتماعيّة ترتبط بمفهومي الزمان والمكان، وهذان الأمران يشكلان صعوبة لدى المتعلّمين في جميع المستويات. وهي تستعيد المسرح المكاني للحوادث وتوضح النقاط الأساسيّة للدرس وتوضح النقاط الأساسيّة للدرس وتوضح النواحي السياسيّة والتاريخيّة، فمثلا موقع القيروان في العهد الأغلبي يشرح أسباب اختيارها موقعا لعاصمة الدولة باعتبار بعدها عن البحر المليء بمخاطر تهديد الاعتداءات الخارجيّة.

    4 - الوثـائق التاريخيّـة وأهمّيّتها في عمليّة التدريس:
تهدف هذه الوسائل التّعلّمية إلى تدريب المتعلّمين على التعامل السليم مع مختلف أنواع الوثائق والبحث والتنقيب وإكساب القدرة على التعلّم الذاتي ومنها :
·       النصوص : ونجدها في كتب مصدريّة قصد التأليف وفي الصحف وهي :
-      نصوص شخصيّة مثل الرسائل والسير الذاتيّة والملاحظات والخواطر والمخطوطات، وهي نتاج تأثيرات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ودينيّة مرتبطة بالواقع التاريخي والظروف المحيطة بأصحابها في الدولة
-      نصوص عموميّة (تابعة للدولة والجمعيّات والنقابات والأحزاب...) مثل المعاهدات والأوامر والقوانين والتشريعات والقرارات والتصاريح ومحاضر الجلسات والمراسلات ... وهي عادة ما تكون ضمن الوثائق الأرشيفيّة.
·       الإحصائيات : تشمل مختلف الميادين (سياسيّة، اقتصاديّة، عسكريّة ...) ترد في الصحف أو الوثائق الرسميّة التابعة للدولة
·       الرسوم البيانيّة : وهي نتاج دراسات اقتصاديّة واجتماعيّة وعسكريّة وهي أيضا نتاج صحف أو جرائد وأشخاص (رسّامين) أو رسوما تابعة للدولة والمنظمات لها أهداف سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة واجتماعيّة مثل الشعارات...
 5 - شرح الوثـائق التاريخيّـة
·       معاني شرح الوثيقة :
شرح الوثائق يعتمد على الأسئلة المصاحبة للوثائق بصفة متدرّجة  باستثمار المعلومات التي تتضمنها الوثيقة  أو خارجها من الدروس أو المطالعات الخاصة لإكمال وتثبيت أو نفي معطيات الوثيقة أو مدى ترابطها وتسلسل معطياتها.
·       خاصيات الوثائق :
-      الوثائق متعدّدة ولكلّ واحدة منها عنوان مخصوص
-      لها مصادر مختلفة
-      لها نفس الإطار التاريخي
-      تشترك في إيضاح معالم إشكاليّة مضبوطة
·       تحليل الوثائق :
-      تقديم الوثيقة  وذلك ب:
. ذكر عنوانها (جملة صغيرة من الكلمات تلخص ما ورد بصفة مركزة)
. تحديد طبيعتها
. الإعلان عن مصدرها
. التعريف بصاحبها
. التعريف بالإطار التاريخي
-       اكتشاف الفكرة العامّة بتلخيص الوثائق (في شكل فكرة عامّة) لكي نجبر المتعلّمين على قراءة الوثائق عدّة مرّات
-       طرح الأسئلة المصاحبة للوثائق مع الإجابة عنها
·       شرح الوثيقة :
. قراءة معمّقة للوثيقة قراءة عموديّة
. قراءة أفقيّة لاستخراج المقارنات : استخراج معطيات احصائيّة جديدة (كسور– نسب مائويّة...)
. تجنّب التحليل السطحي للوثائق كالإعادة الحرفيّة للأرقام والمعطيات
. صياغة استنتاجات الأحداث أو الظواهر المدروسة بأسلوب سليم مع احترام تسلسل الأفكار والحرص على التوازن بين العناصر وانتهاج  الدقّة  والموضوعيّة
  6 - التمشّيات البيداغوجيّة
 وهي من اختيار المدرّس بالدرجة الأولى وتتمثّل في ابراز المبـادئ الجوهريّـة ومنها :
-      مراعاة الفروق الفرديّة ( مراعاة هذا الجانب يحقّق أمور إيجابيّة مثل : العناية بتعليم جميع المستويات، والوصول بكافة المستويات إلى الأهداف المأمولة، ليتحقّق الارتقاء بمخرجات العمليّة التعليميّة،والإقلال من الإخفاق المدرسي)
-      حريّة المعلّم في اختيار الأهداف والطرق بما يتلاءم مع البرنامج الرسمي
-      جعل المتعلّم محور العمليّة التربويّة أي أن يشكّل المتعلّم العنصر الفاعل في بناء التعلّمات والمعلّم يكون دورة التنسيق وبلورة عمليّة التعلم
-      ضبط توزيعيّة سنويّة ملائمة يتخيّرها المعلّم باعتماد الثلاثيات أو الأسابيع في شكل وحدات تعليميّة مع هامش للحريّة في تحديد تدرّج لتوزيع الدروس وتوقيتها.
-      اعتبار المعلومات موارد تكون في خدمة مقاصد المادّة  : لذلك يجدر الأخذ في الاعتبار ما تدعو إليه البرامج من أهداف حقيقيّة لتدريس مادّة التاريخ (الرجوع إلى ما جاء في ملامح المتخرّج والكفايات الأفقيّة ومقاصد المشرّع عامّة.
-      تجاوز الصبغة التلقينيّة
-      تجاوز الصبغة الموسوعيّة
-      مراعاة مبدأ الإدماج لتيسير توظيف المكتسبات : توخّي هذا التمشي خلال المحطّة الإدماجيّة  ومحطّة التقييم
-      إضفاء معنى على التعلّم لبعث الدافعيّة للتعلّم وذلك بجعل المتعلّم  ينخرط في بناء تعلّماته انطلاقا من مهمّات تدفعه إلى المساهمة في البناء بكلّ رغبة باعتماد المشاريع والوضعيّات الحيّة والبحوث الفرديّة والجماعيّة واستعمال الحاسوب
-      التركيز على استثمار الوثائق التاريخيّة المقترحة بواسطة أنشطة متنوعة وذلك بتكريس التعلّم الذاتي[5].
-      تشجيع أنشطة التوسّع والإثراء مثل إنجاز بحوث وملفّات والقيام بتحقيقات وزيارات ميدانيّة والتعامل مع مصادر تاريخيّة / وتوظيف الوسائل التكنولوجيّة الحديثة
-      اعتبار التقييم عمليّة ملازمة للتعلّم. 
7- بناء دروس التاريخ من خلال كتاب التلميذ :
تمّ بناء الدروس انطلاقا من منهجيّة تربويّة تتركز على اعتبار التلميذ محور للعمليّة التربويّة بإعطائه دورا كبيرا في بناء تعلّماته فهو يتأمّل ويكتشف ويحلّل ويستنتج ويوظف مكتسباته ويتوسّع بإنجاز أنشطة خارج الفصل من شأنها أن تدرّبه على التعلّم الذاتي وضمان استقلاليته.
كما تمّ اعتماد الوحدة التعليميّة لتنظيم أنشطة التعلّم كتمشّي  يأخذ بعين الاعتبار فترات الاستكشاف والبحث والهيكلة والإدماج والتقييم والعلاج لإضفاء معنى على التعلّمات وتفضي إلى مكاسب المتعلّم جملة من القدرات (معارف، مهارات ومواقف) قابلة للتوظيف في معالجة القضايا المطروحة.
أ -  تفاصيل تهمّ أنشطة الدرس وفق ما ورد بكتاب التلميذ :
·        أتأمّل واستكشف :
الانطلاق من وضعيّة إشكاليّة تتميّز بدلالة تتصل بمجال التاريخ، تمثّل تحديا واقعيّا يصادفه في الحياة تسمح ببناء معارف جديدة وتنتهي إلى إنتاج محدود، تجعل المتعلّم يستنفر معارفه الممكنة وتمثلاته بشكل يقوده إلى إعادة النظر فيها وبناء أفكار جديدة، كما توقظ لديه الدافعيّة والفضول وتحفزه على الرغبة في المعرفة.
·       عناصر العملية التعلّمية :
-      المهمّة : وهي التعليميّة الموضحة لطبيعة العمل الذي يجب أن ينجزه المتعلّم.
-      العائق : الحاجز الذي لا تتم المهمّة إلاّ باجتيازه والذي يمثل الهدف الحقيقي لبناء التعلم...
-      السند : الوسيلة التي تكون في حوزة المتعلّم وتساعده على اجتياز العائق (الوثيقة).
 
·        التحليـل :
-      الانطلاق من الاحتمالات والتصورات التي توصل إليها التلاميذ خلال مرحلة الاستكشاف
-      فهم الوثيقة وتحليلها
-      قراءة معمّقة للوثيقة قراءة عموديّة
-      قراءة أفقيّة لاستخراج المقارنات
-      ذكر عنوانها (جملة صغيرة من الكلمات تلخص ما ورد بصفة مركّزة)
-      تحديد طبيعتها
-      الإعلان عن مصدرها
-      التعريف بصاحبها
-      التعريف بالإطار التاريخي
-      تعيين الكلمات المفاتيح إن كانت نصّا
-      تحديد العناصر المكوّنة لها إن كانت صورة
-      استخراج أهم الأفكار والمقاصد مع ربطها بالأسئلة المصاحبة والإجابة عنها
-      البحث عن معلومات وتجميعها
-      تبويب المعلومات
-      التفسير والشرح والتحليل باعتماد أمثلة مفسّرة ومدعّمة
-      نقد الوثيقة
·        الاستنتاج :
-      صياغة استنتاجات الأحداث أو الظواهر المدروسة بأسلوب سليم مع احترام تسلسل الأفكار والحرص على التوازن بين العناصر وانتهاج الدقة والموضوعيّة
-      إنجاز ملخص كتابي حول الموضوع باستعمال المعطيات التي تمّ استنتاجها.
     ملاحظة : وردت تعليمة هذا النشاط بكتاب التلميذ على النّحو التالي :
"أستنتج وأسجل على كراسي مستعينا بالأسئلة التالية". ويهدف ذلك إلى دفع المتعلّمين إلى تسجيل أثر كتابي وتدريبهم على الملخصات الكتابيّة كشكل من أشكال تحرير المقالات التي سيتدربون عليها خلال المراحل التعليميّة اللاّحقة.

·       توظيـف المكتسبات :
وتكون من خلال أنشطة إدماجيّة تهدف إلى ربط الموارد المكتسبة والمنفصلة لغاية تفعيلها وتوظيفها. وهي أنشطة قصيرة لا تتجاوز دقائق معدودة تتمثل في تعمير جداول، إتمام سلّم زمني، إنتاج فقرة، إتمام رسم ترتيب أحداث، إتمام خريطة صامتة، الاختيار من متعدّد ...
·       مواقف من القضايا المُثارة وتتمثل في القراءة النقديّة لاستنتاجات الأحداث التاريخيّة و في صياغة بعض الفرضيّات التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير مجرى هذه الأحداث
·       التـوسّع في الدّرس :
أنشطة مفيدة مثل إعداد الملفات والبحوث والمشاريع (لا عن طريق "القص/والربط" والتّحميل من الأنترنات بدون فائدة حقيقيّة) التي من شأنها أن تحقّق للمتعلّم استمرار التعلّم خارج المدرسة وحتى مدى الحياة وتحمّل مسؤوليّة تعليم نفسه بنفسه.

 ______________________________________________________________________________
3     - الحدث والرواية و استعمالهما  في التاريخ
                             
1 ) - ما هو الحدث ؟
إنّ الحدث هو الأمر الذي تتمخض عنه نتائج ولا يكون الحدث ذا دلالة وقيمة إلا إذا تم رصده ضمن مجموعة من الأحداث كانت له بمثابة المصدر والنتيجة. ومع مزيد من تحديد المصطلح نستطيع القول بأن الحدث هو أمر (un fait) يقطع تواصلا بحصول شيء ما في زمن ما وفي مكان ما. فهو زمني ومجالي في الآن نفسه فهو ما يبرز من اليومي ومن الواهي والبديهي. فهو أمر هام يبرز ضمن مجموعته التي تؤثث الحياة اليومية العادية لمجموعة بشريّة.

والحدث هو ما له قيمة معنويّة عند مجموعة بشريّة أو شعب أو ثقافة ما. وله معنى خاص وليس بصفة آليّة مثل أمرٍ ما. وهو أيضا ما يغيّر على المدى الطويل وبصفة نهائيّة أو قطعيّة واقع إنساني ما. ويكون الحدث في نفس الوقت سياسيّا، علميّا، طبيعيّا أو تاريخيّا. وهو النقد الأساسي لمدرسة الحوليات التي تعيب على المؤرخين الاختصار على الأحداث السياسية (المعارك والقوانين وتحولات الأنظمة السياسية والعائلات المالكة...). وفي كل الحالات يمثّل الحدث قطيعة للمجرى الطبيعي للزّمن. بهذه الصفة تصبح له قيمة رمزيّة ويمكن أن يرقى إلى مستوى الاحتفاء السّنوي أو الموسمي.

ولا ينتج الفكر الحدث لكنّه يُبرزه. فالحدث التاريخي هو في الآن نفسه نسبي وموضوعي بما أنّه لا يعبّر عن الذاتيّة. وحتّى يصبح الحدث تاريخيّا يجب أن يرقى إلى مستوى الذاكرة الجماعيّة ويعتمده المؤرخون. فسقوط جدار برلين مثلا يُحيل على مراجعة تحقيب القرن العشرين الذي يبدأ مع الحرب العالمية الأولى و ينتهي سنة 1989. وهل يصبح حدث 11 سبتمبر 2001 إشارة (borne) تاريخيّة أخرى؟

وينتمي الحدث إلى التاريخ الكرونولوجي. وفي هذا الإطار يكون الإغريقي Thucydide  (ولد سنة 460 ق.م) صاحب مؤلف حرب Péloponnèse (431/421 ق.م) أول مؤلف يمزج بين الكوني والتاريخ الكرونولوجي عكس هبرودوت (484/420 ق.م) الذي يختصر على رواية الحدث. ويواصل Marc Bloch أحد مؤسّسي مدرسة الحوليات سنة 1929 في نفس الاتجاه في محاولته فهم التاريخ ولا الحكم له أو عليه. أمّا Fernand Braudel (1902/1985) صاحب مؤلف "البحر المتوسط والعالم المتوسطي زمن فيليب الثاني" فيرى أن الأحداث هي عبارة عن رماد وقد تعبر التاريخ عبور أضواء النّجوم المنتهية. بهذه الطريقة يصبح الحدث سجين المدى القصير.

ومنذ قرنين من الزّمن أصبح الحدث مهمّا مع توسّع المجال العمومي والإعلام ونستطيع أن نتساءل عن دور المؤرخ خصوصا في تاريخ الزمن الآني حيث لا يكون أول الرّواة (على غرار الصحفي) مثل هيرودوت بل يكون وريث Thucydide  يربط في معالجته للحدث بين البعدين الكرونولوجي المحلي وبين الكوني. ويبرز الحدث من جديد خصوصا مع مدرسة الحوليات ليعطي للتاريخ طعمه الإنساني والاجتماعي بتركيزه على الحياة اليوميّة للمجموعات البشريّة وعلى كيفيّة تطور ذهنيّاتهم ومعاشهم عبر الزمن والمجال.
2)    - الرواية التّاريخية (أو التّاريخ كرواية):
أُعتبر التاريخ، منذ قرون، من صنف الأدب والكتابات المنحازة. وكان ينظر لهذا النوع من المعرفة كرواية للماضي البشري في جميع مستوياته المأسويّة أو السعيدة وفي الغرب حاولت الكتابة التاريخيّة التحرّر من الأدب ومن جوار القصة والأساطير. وقد بدأت تهتم بالكرونولوجيا وبالدقّة في الأخبار المرويّة. وفي القرن 19 تمت محاولة بناء مصطلح "العلوم التاريخيّة"
لكن هل نستطيع اعتبار التاريخ كنمط من الكتابة ينتمي خصوصا إلى الأدب؟ صحيح أن الكتابة التاريخيّة تظهر لنا في شكل رواية وهي نمط أدبي إلى جانب القصة أوالشعر. ويحوّل السرد التاريخ إلى جنس أدبي في مرحلة أولى. لكن هنالك رواية ورواية. إلى جانب التاريخ توجد الأسطورة التي هي رواية تعتمد على المخيلة. وتنسج الأسطورة من القصّة ما تأخذه أحيانا عن البنية التاريخيّة وتصنع البطل انطلاقا من الإنسان التاريخي وتؤثر بهذه الطريقة على الخيال متوجهة للشعور الجماعي للشعوب.

    وتؤدّي الخرافات أيضا دورا مماثلا لما تتناول سرّ الوجود وقوى الطبيعة بلغة تعتمد الصورة والرمزيّة، لكن القصّة الشعبيّة ليس لها طموح الخرافات المؤسّسة للمجتمعات وتجرّ معها أكثر من القصّة التاريخيّة البسيطة. فالمخيّلة الشعبيّة تطوّر رموزا بالقصص وتصنع صورا من قوى الخير والشر ومن المصير ومن القوى السحريّة وغيرها... ويكون هدفها بث التقاليد الشفاهيّة من جيل لآخر، هذه العادات التي تلحم وتقوي الثقافة الشعبيّة.

            في الحقيقة تكتسب القصة والأسطورة والخيال وظيفة تعليميّة مثل التاريخ. وما يمثل خصوصية التاريخ هو إصراره على سرد أو رواية مسار الأحداث الإنسانيّة وخصوصا منها التي تتصل بالذاكرة الجماعيّة.

            وفي مستوى الاصطلاح، تعني المفردة الإغريقية "إستوريا" البحث في موضوع ما ولا تاريخ. ولا يوجد إذن مفردة عند الإغريق تعني التاريخ. ونستعمل مفردة "رواية" في الفترة القديمة لما نتحدّث عن الماضي وهو عنصر الزّوال لأن الزمن يحدث النّسيان وينسف الماضي، لكن الإنسان المنشغل بالحفاظ عن الماضي يعيد بناء ذاكرته والرواية التاريخيّة في محاولتها إعادة بناء الأحداث في تتابعهم تطمح أن تكون ذاكرة وفيّة. لكن ماذا يعني الوفاء للماضي ؟  فلا يستحق الرواية إلاّ الماضي المتّصل بالذاكرة أو الّذي لا ينسى.

            أما المؤرخ الذي يروي فيجب أن يرتب ما يملكه من شهادات للماضي وأن يبرز ما هو أجدر بأن يُروى تبعا للنظام الكرونولوجي. فبداخل الرواية التاريخيّة هنالك رغبة في البحث عن حقيقة الماضي. وكان المؤرخون الأولون ينشغلون بآنتاج خطاب جميل بلاغي أكثر منه من تفكير في دقة الأحداث وليس لديهم غاية البرهان لما يؤكدونه.

   وكان هيرودوت (في الإلياذة والأوديسة) روائي بارع أكثر من مؤرخ بمعناه اليوم. وفي الحقيقة لم يكن الاهتمام عند المؤرخين برواية كل الأحداث بقدر ما كانوا يرتبون الأمر (fait) التاريخي الذي يعلو على الحدث في حد ذاته. ويخصّون بذلك العنصر السياسي في تدوينهم. وما هو إلاّ مؤ خّرا مع مدرسة التاريخ الجديد وريثة مدرسة الحوليات حتى بدأت تتكاثر أنماط جديدة للتكوين التاريخي. هكذا تم إحداث تاريخ للعقليات أوالذهنيات وتاريخ الشعوب وتاريخ الفن وتاريخ الجنس إلى غير ذلك. وهذا ما أحدث إتساعا في مجال الأمر التاريخي أبعد من المدار السياسي.

             من ناحية أخرى تُعتبر الرواية حارسة الزمن. فقد تثبته عبر الفعل أو العمل وترسّخه عبر المجال. وهنا يمثل الزمن والمجال الذروة والسّطح (l’amant et l’aval)، إذ أن الرواية يمكن أن تكون حركة الرسم البياني (mouvement de la courbe). فهي تصف بشرح آثار الزمن بالمجال عبر عمل أو فعل الإنسان الذي يعيش بالمجتمع. فبين زمن الكون والزمن الشخصي (intime) يوجد الزمن المروي للمؤرخ وهذا ما يُمكّن من إعادة بناء الزمن. وفي هذا الصدد يضع Paul Ricœur الخطاب التاريخي بين الهويّة السّرديّة والطموح للحقيقة.

            وبرأي بول ريكور (Paul Ricœur) كانت محاولة مدرسة الحوليات خلال سبعينات القرن العشرين للقطع مع الرواية (تاريخ المعارك والأبطال والتّاريخ الصغير) غير جديّة ومتناقضة مع المشروع التاريخي في حدّ ذاته، لأنّه لا يمكن فصل الحدث والرواية عن الكتابة التاريخيّة لو أردنا المكوث في الحقل التاريخي.
            إن وضع الكتابة التاريخيّة في قالب إشكاليّة أولغز يفرض نفسه على كل مؤرخ وحتّى على من يأخذ مسافته من الرواية الكلاسيكية للحدث السياسي الديبلوماسي. فالسّرد يمثل الواسطة الضروريّة للقيام بالمهمّة التاريخيّة وربط مجال التجارب بآفاق الإنتظارات المستقبليّة. إن الرواية هي إذن حارسة الزّمن بما أنّه لا يوجد زمن محل تفكير إلاّ الزّمن المروي. فبناء الزّمن يمرّ هكذا من رواية المؤرخ.
_______________________________________________________________________________

4 – الزّمن والتّحقيب واستعمالهما في التّاريخ

1)    - بناء مصطلح الزّمن :
إن إدراك الزّمن أصعب من إدراك المكان عند الطفل وبالتالي فإنّه يدرك الأحداث القريبة التي تدور في عالمه الخاص القريب، أما التي جرت قبل مئات السنين وآلاف السنين فإنها تتساوى لديه مع الأحداث التي جرت قبل خمس سنوات، لذلك يسعى المعلّم إلى تسهيل إدراك العلاقات الزمنيّة بوضعها في صورة علاقات مكانيّة بحيث تكون الخريطة الزمنيّة ذات مراتب مختلفة يعبّر فيها عن البعد الزمني ببعد مكاني لذلك يعتمد إلى تدريب المتعلّمين على تمثل مفهوم الزّمن انطلاقا من:

-      تجسيد الأحداث المتصلة بحياته برسم خط زمني بسيط
-      اعتماد شجرة الأنساب
-      استغلال أحداث عاشها أو سمع عنها تجعله يدرك أن لكل حدث زمانا ومكانا
-      إدراك علاقة الحدث بالزّمان والمكان
-      تقدير مدد زمنيّة تفصل بين حاضره وأحداث مضت
-      ربط علاقات التفاعل بين الأحداث والظواهر التاريخيّة والحضارات وبين الحاضر والماضي
-      استغلال الخط الزمني لبناء مفهوم السلم الزمني وتوظيفه في الدرس
    لذلك دعا المشرّع إلى تدريب المتعلّمين بداية من السنة الخامسة من التعليم الأساسي على تمثّل الزمان حيث أدرج محورا خاصا في بداية السنة يتعلّق بالتمهيد لدراسة التاريخ انطلاقا من أنشطة يتمثل فيها الزمن التاريخي من أجل التموقع في علاقة مع المكان والأحداث التاريخيّة بدءا بدراسة زمن حياتهم بالتعبير عن تاريخ المولد (اليوم والشهر والسنة) وتاريخ مولد أبيه وجدّه والتدرّج بهم إلى معرفة الزّمن التاريخي وفكرة العقد والجيل والقرن وقبل الميلاد ...

إنّ الإطار الذي يعيش به تفكير المؤرّخ، من منظور مارك بلوك (1886-1944)، هو طبيعيّا الديمومة. ويمثل الزّمن البيئة التي تتعايش بها المظاهر (Phénomènes). فهو المكـان الذي يمنـح للمعطيـات معنـاها وذكائـها  (intelligibilité des faits). ومع مرور الزّمن، لا تكون طبيعة الزّمن التاريخي ولا تجزئته موضوع وفاق بين المؤرّخين. فالزّمن التاريخي ليس بالضرورة متجانس وزمن المؤرّخ ليس نفس زمن مواد العلوم الإنسانيّة الأخرى. في الحقيقة، يثير الزمن التاريخي إشكاليّة تمثّلاته وإشكاليّة شرعيّة تجزئته نفسها.

2 )  - التّسـاؤلات حـول طبيعـة الزّمـن التّـاريخي :

           أ – نسبيّـة فهـم أو استيعـاب الزّمـن :

 لقد بيّن المؤرّخ الفرنسي جـاك لوڤوف (Jacques Le Goff) ( 1924/ ….) المختص في التاريخ الوسيط أن الزّمن المُعاش من طرف الإنسان خلال تلك الحقبة التاريخيّة لم يكن نفسه حسب الفترة التاريخيّة وهو من المتغيّرات. وقد كان منذ زمن طويل يخضع إلى إيقاعات زمن الكنيسة حسب رزنامة الاحتفالات الدينيّة السنويّة. وإذا كان الزّمن اليومي منظم بواسطة جرس الكنائس، فإنّ الرزنامة الدينيّة أو السماويّة مرتبطة بزمن الأرض. ويعيش الإنسان في العصر الوسيط إذن في زمن ديني وريفي وتواصل ذلك حتى حوالي القرن 11، حيث ظهر زمن معاش جديد وهو زمن التجّار الذي خصّص له Jacques Le Goff مادّة كتابه "Pour un autre Moyen Âge".  وهذا الزّمن الجديد هو مدنيّ ويخضع إلى القيس بما أنه مرتبط بالمال.

ويرتبط هذا المفهوم الجديد بحركة المال والمبادلات وأصبح يخضع إلى نظام القيس الشمسي ثمّ إلى السّاعات (horloges). وأصبح الزّمن بمفعول الممارسات التجاريّة عقلاني ومدني ومرتبط بالعملة وبالقيمة الماديّة. هكذا أصبح الزّمن نوعا من الآلة وأصبحت السيطرة عليه تمثل رهانا بهدف إكسابه معنى. و ذلك ممّا يدلّ على بروز علاقات اقتصاديّة واجتماعيّة جديدة.
هنالك أيضا مفاهيم مختلفة للزّمن، حسب الحضارات، مثلما أكّده علماء النفس الذين يرون أنّه توجد مفاهيم متغيّرة للزّمن حسب الأشخاص. وقد فسّر Paul Fraisse (1911/1996)، في كتابه  "Psychologie du Temps"، أنّ الزّمن، وإن كان مُقاس بنفس الطريقة، يمكن أن يحيل على تمثّلات مختلفة. كما أنّ مفهوم الزّمن يختلف حسب الطبقات الاجتماعيّة. فالعامل الذي يتقاضى أجره يوميّا أو أسبوعيّا ليس له نفس التصرّف الزّمني مثل الموظف صاحب الرّاتب الشهري. وتختلف هنا طبيعة الإنفاق من المدى القصير جدّا إلى المتوسّط أو الطويل وكذلك الشأن بالنسبة إلى صاحب المداخيل السنويّة.

كما أنّ مفهوم الزمن يختلف أيضا عند العلماء. فبالنسبة إلى نيوتن (Newton) (1642/1727) الزّمن هو خارج الظاهرة ولا يتغيّر. أمّا إمانوال كانط (Kant ) (1724/1804)، فهو يراه ثابت. بينما يرى ألبار أنشتاين (Albert Einstein) (1897/1955)، أنّ الزمن مرتبط بالمُلاحظة وهو نسبي. من ناحيته، يرى الفيلسوف هانري بركسون (Henri Bergson)  (1859-1941)، أنّ الزّمن يعود إلى الوعي المفكر أو الفكر الواعي. ولا يُفلت المؤرّخ من الظرفيّة الحضاريّة ومن حالة أو وضع الذهنيّات والعلوم والمجتمعات.

ب -  من الوحـدة إلـى تعدّديّـة الأزمنـة التاريخيّـة :
       يؤكّد فرنان بروديل (Fernand Braudel) (1902/1985)، صاحب الأطروحة الشهيرة حول البحر المتوسّط، في دراسته "التّاريخ والعلوم الإنسانيّة، المدّة الطويلة" والذي صدر بمؤلّفه " كتابات للّتاريخ"  (Ecrits pour l’Histoire)، أنّ " كلّ عمل تأريخي يجزّئ الزّمن الماضي حسب ميولات واختيارات واعية نسبيّا"، بينما يعتبر بوسيي (Bossuet)  ( 1627 /1727)، أنّ الزّمن هو موسمي (cyclique) ولا يتغيّر. وفي القرن 20 و 21، أصبح للمؤرّخ مفهوم مغاير للزّمن. فحتى نهاية القرن 19، يخيّر أغلب المؤرّخين  الزّمن القصير، أو الزّمن البيولوجي الذي يركز على حياة الإنسان. وكان الإشكال يتمثل في إيجاد سلّم كرونولوجي دقيق. ولكن منذ مستهلّ القرن 20، بدأ الباحثون في التاريخ الاقتصادي يدرسون المظاهر الاجتماعيّّة بطريقة مغايرة، نظرا لتعاقب الأزمات الرّأسماليّة (بعد الثورة الصناعيّة الثانية خصوصا وبداية المدّ الاستعماري). وبدأت ملاحظة تجزئة الزّمن التاريخي إلى أزمنة مختلفة معقدة.

وفي الخمسينات بدأ فرنان برودال  (Braudel Fernand) يتساءل، انطلاقا من نتائج أعمال أنطروبولوجيّين أمثال كلود ليفي ستروس  ( Claude Lévi Strauss) (1908/2009)، وعلى عكس ما يرى هذا الأخير من جمود في زمن بعض الحضارات، فإنّه يؤكّد أنّ الزمن الطويل يُقاس بآلاف السّنين. فهو زمن البنية (structure ) ولا يوجد زمن متوقّف، إذ أنّ الجيولوجيا أيضا لها زمنها ويجب أن نتحدث عن نسق الزّمن الذي يمكن أن يكون قصيرا، متوسّطا أو طويلا، بعلاقته مع الموضوع أو الظاهرة المُراد تحليلها.  

       فالزّمن هو متعدّد، مثل زمن العقليّات وزمن البيولوجيا التاريخيّة والجيولوجيا. لكن هذه الأزمنة يمكن ربطها ببعضها البعض في إطار الاستمراريّة الإنسانيّة واستمراريّة الحياة نفسها. وقد أُحدِثت هذه الآراء تجديدا في المقاربات التّاريخيّة خلال القرن الماضي.

      ج – إشكـال ربط الأزمـان:
       يؤكّد بعض المؤرّخين اليوم على الاتجاهات السلبيّة لظاهرة تعدّد الأزمنة في المقاربات. وهذا ما يهدّد بتجزئة التاريخ، لأنّ مصداقيّة التحليل التأريخي تشترط الوحدة الزمنيّة الإنسانيّة والديمومة. ويمثل الحدث، عبر الفعل الإنساني، الحياة التي تدب في هذا التاريخ الذي أكسبته الديانات السماويّة مغزاه (عبر استمراريّة الزّمن).

       وعلى عكس علماء الاجتماع الذين يرون أنّ الزّمن يتكيّف حسب الموضوع الذي يدرسونه، يؤكّد برودال ( Braudel ) مثل لوسيان فافر (Lucien Fèbvre ) (1878/1956) في أعماله، على التاريخ الكلّي الذي يعطي لتواصل الحضارات معناها. إنّ الزّمن التاريخي تصعب قراءته آنيّا ويجب أن نتساءل عن مختلف الأزمنة وتواصلهم أو علاقتهم ببعضهم البعض حتّى نبرز انسجامهم.
  3 ) -  تمثّـلات الزّمـن التّـاريخي :
       تكتسي هذه التمثّلات إشكاليّة كبرى في التّعامل مع موضوع الزّمن، نظرا للبعد الإيديولوجي الذي يمكن أن تأخذه، لكنها قد شهدت تطورا عبر التاريخ.
أ - البعد الإيديولوجـي لتمثّـلات الزّمـن :

إنّ مجرّد التفكير في الزّمن يعني وضع ترتيب واضح للأحداث أو الوقائع بهدف إكسابها ذكاء أو مغزى. فالمؤرّخ يتموقع في الماضي، لكن أيضا في المستقبل، عبر خلفيّاته الاستشرافيّة. فالمرجعيّة لهذا الزّمن تختلف إن كان زمن تقدّم حضاري أو عكس ذلك (أي انحطاط). ويصبح هنا موقف المؤرّخ واضحا من الاتجاهين. ومن الصعب أن يكون هذا الموقف ذا مسافة موضوعيّة مع الأحداث. إذ انّ العلاقة مع هذا الزمن وتأويله تخضع إلى مدى التزام المؤرخ وتمثّلاته الإيديولوجيّة في ترتيب المعطيات وتحليلها وفق ما يعتبره انقطاع أو تواصل أو استمراريّة أو منعرج أو تحوّل، وذلك حسب المصطلحات التي يختبرها.

ب –  محاولـة تأويـل للإتّجاهـات المعـاصرة في التعـامل مع الزّمـن :
إنّ النظرة للزّمن تكتسي في الوقت الراهن نوعا من الحذر أو أيضا من التشاؤم، نظرا لبعض التجارب المؤلمة التي عاشتها البشريّة خلال الفترة المعاصرة : كالحرب العالميّة الأولى والثانية والأزمة الاقتصاديّة العالميّة وعدّة أزمات أخرى كرّست شعور الحيرة والتردّد. ولم تعد النظرة للإنجازات الحضاريّة أبديّة. فأصبح كثير من المؤرّخين على غرار برودال ( Braudel) أو تـوينبي (Toynbee) (1889/1975) أو أيضـا إدوارد كـار (Edward Carr) (1892/ 1982) يتحدثون عن الانقطاعات التّاريخيّة. ولم يعد الحديث عن التطوّر المتواصل. كما أثارت حروب التحرّر الوطني للشعوب المستعمَرة، في التعامل مع الزّمن وتحقيبه، جدلا في التّاريخ بسبب خطب الشرعيّة وتبريراتها. كما أنّ تطوّر العلوم يمنعنا اليوم من الجزم بتقدّم متواصل أو أبدي للحضارات.
4 ) -   التّحقيب التّـاريخي : 
       إنّ تجزئة الزّمن تكتسي في الحقيقة طابعا إيديولوجيّا نظرا وأنّها تـُفصح عن مواقف متجذّرة في البنية الاجتماعيّة والثقافيّة لعصر ما. وبنظرة متشائمة، بدأ المؤرّخون يُخضعون مسألة التّحقيب إلى مزيد من القراءات النّقديّة.

       أ – التّحقيـب أو البحث عن المنطـق الواعـي :
يمثّل التّحقيب التاريخي ضرورة منهجيّة، إذ أنّ كلّ تاريخ هو بالضرورة تحقيب يضع علاقات بين المعطى التاريخي والمصطلح. كما يعني بناء أو وضع تحقيب الاعتراف بسير الأحداث كحقيقة مطلقة. ويعتبر المؤرّخ إدوارد كار (Edward Carr) ( 1892/1982) أنّ تقسيم التاريخ إلى فترات هي أداة اصطلاحيّة ضروريّة لكن التقسيمات الزمنيّة لا تصحّ إلاّ للأشياء التي تعبّر عنها والتأويلات التاريخيّة هي التي تمنحها صلوحّيتها.

       لنأخذ على سبيل المثال التحقيب الإسلامي الذي يعتمد التقويم الهجري للفصل بين فترة "الجاهليّة" والفترة "العربيّة الإسلاميّة" ثمّ التحقيب الأوروبي الميلادي الذي بدأ اعتماده في تونس مع فترة الاحتلال والحركة الإصلاحيّة أو التحديثيّة. أمّا تحقيب الفترة "الوسيطة" أو بالأحرى الكلاسيكيّة المؤسّسة، فقد بدأ مع المؤرّخ ڤـي بوا (Guy Bois)  (وهو مختص معاصر في التّاريخ "الوسيط") الذي يعتبره في مستهل سنة ألفٍ، وذلك بالثورة التي تمّ بها تعويض العبيد بالأقنان في نمط الإنتاج.

 وهكذا أصبح كلّ ما يذكر بالعبوديّة في أوروبا ينتمي إلى التاريخ القديم. لكن هذا لا ينطبق على التحقيب المعتمد بالمغرب العربي، إذ أنّ فترة الازدهار الحضاري العربي الإسلامي ليست بفترة "وسيطة"، رغم أنّ باب الاجتهاد قد أغلق خلال نفس الألفيّة  الأوروبيّة المذكورة. هكذا نرى أنّ تقسيم الزّمن إلى فترات تاريخيّة يُحيل على نمط من التأويلات.

      ب – تعـدّد المفاهيـم الزّمنيّـة عبر التّاريـخ :
                         إلى حدود النهضة الأوروبيّة خلال القرن 16، يتمّ تفسير التّاريخ بالمبدأ الإلهي في الحياة مثل سان أوغستان (Saint Augustin) (354/430) أو ابن خلدون الذي يرى أنّ التاريخ يخضع إلى الحتميّة في تعاقب العمران. وبعد ذلك مع تجدّد الأفكار، وجدت بعض العلوم مكانها في المقاربات التاريخيّة مثل تحليل العناصر الماديّة المتمثلة في الصراعات بين الشعوب المتخلفة (البرابرة) والشعوب المتحضرة والمتمثلة أيضا في اختلاف العادات والتقاليد. وهكذا تغيّرت المجالات شيئا فشيئا مع عصر الأنوار وخصوصا مع القرن التاسع عشر، حيث بدأت فلسفة التاريخ بالمدرسة الألمانيّة تعطي أبعادا جديدة في تناول كتابة التاريخ.

                         ونشطت المدارس التاريخيّة مثل المدرسة الوضعيّة في بداية الجمهوريّة الثالثة بفرنسا منذ ذلك الزّمن وبدأ التحليل التاريخي يرتكز على فكرة محوريّة حول سير العالم وإعادة اقتسام مناطق النفوذ. وقد تمّ منح مكانة كبرى إلى تأسيس الدول والكيانات الجديدة واعتمد كارل ماركس (Karl Marx) (1818 /1883) في هذا الاتجاه تحقيبا انطلاقا من تطوّر أنماط الإنتاج (العبودي، الرّأسمالي، الآسيوي ...) وأصبحت العناصر التحليليّة تمثل المرجعيّة الأساسيّة لتتبع تطوّر الحضارات. كما بدأ الاتّجاه أيضا نحو مقاربة المواضيع مع مدرسة الحوليات ثمّ  المدرسة البنيويّة، حيث وُضع التاريخ في إطار الزّمن والمجال (Fernand Braudel) وهكذا فقد التّحقيب (ومعه التاريخ الحدث) هيمنته لصالح المقاربات التحليليّة مع تعدّد المدارس التّاريخيّة  ومنها المدرسة الماركسيّة وبعدها مدرسة التاريخ الجديد التي تعتمد العناصر الاجتماعيّة والاقتصاديّة وتداخل العلوم الإنسانية في تدوين التاريخ.

ج -  نقـد التّحقيـب المعـاصر :
   ويمكن لعمليّة التّحقيب أن تكون رهانا سياسيّا وأداة للتّوظيف، مثلما بيّنت ذلك الثّورات الفرنسيّة (1789 وبعدها) أو ثورة أكتوبر 1917. فالتّحقيب يحيل على تأويل للعالم بالطريقة التالية:
-      الفترة المعاصرة،  كفترة تعتبرها البورجوازيّة الأوروبيّة المنتصرة أفضل من فترة النّظام الملكي القديم،
-      الفترة الحديثة، وتعرف بعصر الأنوار وبالتخلّص من الاستبداد الإقطاعي وتأسيس الدول الوطنيّة،
-      الفترة الوسيطة وتعرف في أوربا بتشتّت الإمبراطوريات وبالعنف والظلمات (إلى ما قبل النهضة الأوروبيّة) ولا تهم التّقويم العربي الإسلامي وتعتبر فترة سلبيّة.
-      الفترة القديمة،  وتُعرّف بعالم العبوديّة.
 فالتّجزّءات المختلفة للتّاريخ لها تأويلات تتّصل بالأشكال المتعدّدة التي عرفتها الدّول وتحدث انتقادات بإعادة النظر في الحدود المعتمدة بين سائر الحقبات الزّمنيّة وباعتماد فترات أخرى تعتبر مؤسّسة. وهكذا نشاهد نوعا من التعقيد للزّمن التاريخي الذي فقد وحدته واستقراره بإعادة النظر في التّحقيب السّابق، ممّا يؤدّي أحيانا إلى تشتّت التاريخ باسم رفض استبداد الفكر والهياكل الجاهزة.                      
 
________________________________________________________________________________

5 - بناء المصطلح و استعماله في التاريخ

    يختلف المصطلح كأداة تحليل علمي عن المفهوم الذاتي الذي يرتبط بالتمثّلات. ويكون المصطلح التاريخي وسيلة لفهم حقيقة الماضي ويلخّص عديد الملاحظات التي أدت إلى إنتاج أو إحداث ظاهرة معينة. كما يخوّل إمكانية التّعميم والنّمطيّة والمقارنة.
   ويسمح المصطلح التاريخي بإذكاء أو عقلنة المادة التّاريخية، بوصفه أداة أو وسيلة للتّحليل. ويمكن أن تبني المصطلحات بعضها البعض وأن تكوّن شبكات أو نسيج يفرض نظاما منطقيا على المؤرخ ويكون أحيانا مضطرب بسبب خصوصيات الواقع. ويستمدّ التاريخ بعض مصطلحا ته من علم الاجتماع ومن الاقتصاد والجغرافيا والأنطروبولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية لأنّه يمثل ملتقى أو محور العلوم الإنسانية والاجتماعية.

كما يمثل بناء المصطلح نتيجة لعدة عمليات ذات العلاقة بالمعرفة تسمح بالتكيّف مع المحيط الاجتماعي الثقافي. فهو بناء للمعرفة التاريخية وترتيب و تجميع وتأويل للمعطيات. ويعبّر المصطلح على فكرة حول ظاهرة ما وحول أهدافها و وظائفها، ينتجها المجتمع عبر مؤسّساته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة.

ويبقى بناء المصطلح مفردة غريبة نستعملها كأداة ونُحيل إليها كمقياس وكإطار للتّفكير. وإذا كانت الفكرة الذّهنيّة التي يحملها الإنسان حول شيء ما هي تمثّله له وإذا كان المفهوم يعبّر (ذاتيا) عن المعرفة، فإن المصطلح يمثل إذن الفاعل والمنفذ لعملية التحليل لمظاهر الحياة الاجتماعية وكذلك الطبيعية والكونيّة. وهنالك نعتين للمصطلح أولهما الشّموليّة وثانيهما الوظيفيّة. ويستمد المصطلح شموليته من نجاعة استعماله ودقة تعبيره في تحليل الظواهر وكذلك من إمكانية صلاحيته عبر مختلف العلوم المتداخلة  (الإنسانية والاجتماعية والتجريبية...)

ويُشترط أن يكون المصطلح واضح ودقيق حتّى لا يخضع للتأويل. وعلى منوال وظيفة الرّياضيات، يجب أن يؤدّي المصطلح إلى حلّ إشكال فكري. فهو لا يوجد لذاته بما أنّه أداة ووسيلة للتّحليل وفهم المعرفة. وتتمثل وظيفته في التعريف والدقة والقدرة على إتاحة الفهم للمعرفة. فهو بناء فكري لها. وتكمن دقة المصطلح عبر المثال التالي : " يعرّف الكرسي حسب شكله وحسب وظيفته وصلاحيته..." ويعبّر المصطلح هنا على الوظيفة أو الشكل أو الاثنين معًا. و يُمكّن هذا التّوضيح من التّفريق بين الفكرة المجرّدة أو المفهوم وبين المصطلح.

وإذا كانت الفكرة (أو المفهوم) تحيل إلى نوع من الوحدة (المحسوسة) العامة لموضوع ما، فإن المصطلح يمثّل وظيفةً أو علاقةً. وإذا كانت الفكرة تتموقع في الحدس وفي التعريف، فإن المصطلح يهتمّ خصوصا بالاستعمال وبالفعل. كما يمكّن المصطلح من حلّ إشكاليّة، من الإجابة عن تساؤل ومن وضع علاقات. وهنا تكمُن عمليّته الأساسيّة في إعادة بناء المعرفة وتفسيرها.

وُيساعد التعرف على المصطلح وتوضيح معناه على شرح استعماله. كما يعني بناء مصطلح لفكرة معينة، التعرف على مختلف روافدها والإفصاح عنها وعن كيفيّة تمحورها من عدّة زوايا. و يجب التّذكير هنا بأن مدرسة الحوليّات التي نشطت منذ سنة 1929 بفضل مؤسّسيها لوسيان فافر (Lucien Fèbvre) و مارك بلوك (MarcBloch)، قد حرّرت كتابة التاريخ من هيمنة الكرونولوجيا باعتمادها مصطلحات الاقتصاد والمجتمع والحضارة. ومن ناحيّتها، أنتجت المدرسة الماركسيّة (منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية) الكثير من المصطلحات على غرار الطبقة الإجتماعيّة والرأسماليّة وقوى الإنتاج ونمط الإنتاج ووسائل الإنتاج وغيرها... وكان لمدرسة الّتاريخ الجديد، منذ السّبعينات، الدور الكبير في إنتاج المزيد من أدوات التّحليل (المصطلحات) العابرة للعلوم الإنسانية والاجتماعية وحتّى التّجريبيّة.

هكذا، تمثل لغة المصطلحات اللّغة العلميّة في التفكير وفي إنتاج المعرفة وفي التدريس أيضا. بينما تكون لغة المفاهيم (notions) اللّغة الوظيفيّة للحدث وسرده. فالمصطلحات ليست مفاهيم والعكس بالعكس. وكل له وظيفته حسب الأهداف في التعامل مع المعرفة : تحليلية كانت أم وصفيّة مرتبطة بالتّمثل وبجمع المعارف العقيمة وتكدّسها. وهذا ما يحيلنا أيضا على نوعيّة العلاقة مع المعرفة ومقارباتها في التّدريس : علاقة تكوينيّة تنتج المواطنة، بتطوير الفكر النقدي عند الدّارس، أم علاقة تلقينيّة  تعيد إنتاج الرعايا ؟

_________________________________________________________________________________ 

6 -  التّعلّميـّة و التّراث التّربوي
        (من خلال تجربة متحف التربيّة)

-  ما هو المتحف التّعلّمي أو كيف يمكن زيارة متحف تربوي بطريقة مغايرة ؟
-  ما العلاقة مع زمن التراث التّربوي ؟

1)               - الزّمنيّـة المتحفيـّة ( (temps muséographique بمتحـف التّربيـة :
ليس الزّمن بمتحف التربية خطّي فقط، بل إنه متجدّد البناء بين قطبيه اللاّمتناهيين السلبي والإيجابي وهو ذهاب وإيّاب مستمرّ في فضاء تعلّمي تفاعلي يجعل من المحتويات المعروضة به علامات أو إشارات ثابتة لتوجيه ذاكرتنا الجماعيّة باتّجاه بحثها عن إعادة تملّك الزّمن  المدرسي بأكثر وثاقة  أو بأكثر عاطفيّة.

إنّ زيارة متحف التّربية تعني معايشة الزّمن المسترسل بطريقة مغايرة مهما كان هذا الزّمن تاريخيّا أو حاضرا عبر تمثّلات مشحونة شعورا. فهو موقف يدعو باستمرار للمقارنة النسبيّة بين السالف والحاضر وكذلك بين جيل وآخر وعلاقاتهما بالمدرسة وبالحياة المدرسيّة. هذه الزيارة، عبر الزّمن، هي موجّهة بإشارات ثابتة تتكوّن من "ألف شيء وشيء" : من فنجان الحليب الدافئ الذي يـُقدّم للتلاميذ قبيل الدّخول إلى الأقسام، إلى المقلمات وكرّاسات التناوب وإلى كتيّب "1.300 إشكالية رياضيّة" وكتب القراءة الأخرى والمشاهد الطفوليّة للحياة التي تحتويها وإلى "دروس الأشياء" وغيرها كثير ...

إنّ زيارة متحف التّربية تعني أيضا التسلّل بين الثنايا الصغيرة للذاكرة المدرسيّة بحنين وملامسة الذكريات الوافرة التي تطفو في كل زاوية من زوايا فضاءات العرض المختلفة. إنها أيضا نوع من إبراز تمثّلات الأشياء المدرسيّة والعلاقات الحميمة بين الأقران وببعض المربّين  القدامى الذين لا يختلف عطفهم على أبنائهم عن عطفهم على تلاميذهم. ففي كلمة واحدة، إن هذه الزّيارة فرصة لإعادة إحياء زمن مشحون بالقيم التربويّة، حيث يحلّ المربّي المحبوب محلّ الأب بل يكاد يرقى لمرتبة الرسول (ص) مذكّرا ببيت من قصيد أحمد شوقي:

             "قم للمعلّم وفّه التبجيلا  ***   كاد المعلّم أن يكون رسولا"
إنّ تقديس المؤسّسة التربويّة ومربّيها ومربّياتها وكذلك معارفها المدرسيّة تجتاز حقيقة الزّمن المُعاش في استمراريّته الثقافيّة. هكذا يخطّ هذا الزّمن المدرسي، بهذه الطريقة، عبر إشاراته و علاماته الثابتة أو المكتوبة لمختلف الأبجديّات التي عرفتها إفريقيّة (أو تونس) منذ الفترة الفينيقيّة وإلى الفترة العربيّة الإسلاميّة فالمعاصرة، إلى  مضامين التّعليم التقليدي ثمّ مضامين التّعليم العصري، المدار الذي يـُنير توبوغرافيا ذاكرتنا الجماعيّة. هذا الزّمن التّربوي الذي يمكّن من اكتشاف ثنايا تضاريسها عبر مختلف الوسائط التعلّميّة المستعملة سالفا والمعروضة حاليّا صحبة جذاذات تعريفيّة برفوف بلوريّة. 

2 ) – المقاربـة النشطـة للمتحفيّـة أو من التّجديدات التعلّميـّة :
إنّ المتحفيّة المـُعتمدة بهذا الفضاء تتوخّى مقاربة إبستمولوجية وتعلّميّة في مستوى العلاقة بالتراث التّربوي. فبمدخل المتحف، تستوقف الزّائر لوحة حائطيّة عملاقة وكأنّها تُسائله عن وجهته، فهي وسيطة تعلّميّة من نوع الرّسم السّريالي تضع المدرسة التونسيّة في ظرفيتها الحضاريّة التي تهمّ : علاقة تونس (إفرقيّة سابقا) بالبحر المتوسّط. إنّها ملحمة الثقافات التي ألهمت في مجالها الحضاري الأفكار الفلسفيّة لفرنان برودال Fernand Braudel – 1902-1985)). فهي تروي أيضا، بلغة الحروف المشفّرة وبواسطة لوحات وجذاذات حول الابجديات التي عرفت تداولا بإفريقيّة نوعا من سنفونيّة الكتابات والمعرفة ودور المدرسة كوسيلة لنشرها.

أمّا مرجعيّـات العلاقـة بالتراث التربوي فهي تخضع  لتـأثيرات فكريّـة عدّة منها المقاربة البرودوليّة للبحر المتوسّط كمجـال حضاري وكمساحة  ثقافيّة كبرى أو كملحمة الثقافات وكذلك لبعض أفكار فلسفيّة لهنري برقسـون (Henri Bergson – 1859-1941) الذي يربط داخليّة الديمومة الزّمنيّة بخارجيّة المجال الحضاري للتحرّر من زمن السّاعة  الحائطيّة بإملاٍْْئها نسق حياتنا اليوميّة. هنالك أيضا آراء الفيلسوف بول ريكور  (Paul Ricoeur – 1913-2005)الواضحة والمتعلّقة بجدليّة الزّمن التّاريخي والإنساني الذي يخترق عبر الدّيمومة الطويلة لا فقط المعرفة والمؤسّسات المختلفة وأدواتها التعلّميّة التي أحدثت لتسهيل نشرها مثل الكُتّاب وما يحتويه من دلالات أحيانا رمزيّة أو أنطروبولوجيّة بل كذلك المؤسّسات العصريّة الحاليّة للتربية بوسائطها الافتراضيّة مثل السبّورة التفاعليّة والأنترنات أو الواب. إضافة إلى كلّ ذلك، استفادت هذه التجربة المتحفيّة التعلّميّة من التدريس والبحث في مجال تاريخ التّربية والتّعليم وكذلك إبستيمولوجيّة وتعلميّة التّاريخ المتواصلة منذ سنوات بمتحف التربية ذاته وبالمعهد العالي للتربية والتكوين المستمر وستتواصل أيضا بدار المعلّمين العليا.

3) - العلاقـة النشطـة بالتّـراث التّربـوي :

عند تفحّصنا لمسار أو مدار الذاكرة الجماعيّة لبلادنا في علاقتها  بالمجال الحضاري للبحر المتوسط مع الحركة اللاّمتناهية للمسافرين أو الوافدين للأفكار والبضاعة (ذات المضمون الثقافي الضمني) منذ الفترة الفينيقيّة وإلى أيامنا هذه، لا تتراءى لنا إلاّ حقيقة واحدة وهي التواصل  الهادئ والثابت الذي يخترق القرون مكوّنا خلاصة ثقافيّة متوسطيّة بل كونيّة.

بالفعل، منذ إحداث مرفأ أوتيك (1101 ق.م) وظهور أولى الأبجديات بهذه المنطقة من العالم، مرورا ببعث المؤسّسات التعليمية القرطاجيّة (البونيّة فالرّومانيّة) ثمّ العربيّة الإسلاميّة من كتّاب ومدارس وجوامع إلى المدرسة العصريّة الحاليّة، لم تشهد المؤسّسة المدرسيّة بأشكالها المختلفة أيّ انقطاع بل تواصلا وامتدادا متينا لجذورها التّاريخيّة. أمّا المدرسة الحاليّة، ذات المحتويات التعليميّة والبرامج الأكثر عقلانيّة، حيث يتفوّق الرّقمي على الوسائط التعلميّة التقليديّة الأخرى والمـُمثّلة أيضا بأروقة العرض، فهي دائما بحاجة لإصلاحات أو إعادة تأهيل متواصلة لمواكبة التطوّرات أو التجديدات التربويّة على السّاحات الإقليميّة والدوليّة لتكون في مستوى التّرقّبات الاجتماعية والوطنيّة.

هكذا تعني زيارة متحف التربية التعرّف على فضاء شاسع ورحب مصمّم هندسيّا من أجل مُتحفيّة عصريّة لاستقبال روّاده عبر أروقة مفتوحة متعدّدة الوظائف.  كما تُصاحب الزائر في مختلف أجنحة المتحف المضاءة بواسطة إنارة طبيعية مقتطفات موسيقيّة من التراث العالمي تـُنسيه زمن السّاعة وتُدخله عبر مسالك التراث التربوي زمن الذاكرة في تواصله الهادئ. إنها أيضا فرصة لاكتشاف حقيقة مركّزة متعدّدة الأوجه تضمّ عديد الأزمنة التاريخيّة وعديد الأماكن أو المجالات الثقافيّة التي تكوّن خلاصة حضارات ذات السّت أبجديات (الفينيقيّة والإغريقيّة والاّتينيّة واللّوبيّة البربريّة والعبريّة والعربيّة) التي كانت متداولة ببلادنا على طوال 1.400 كم من سواحلها المتوسطيّة.

إنّ الزّائر المتأمّل لمسالك التّراث التربوي بهذا الفضاء التعلّمي للمتحف، يكتشف مزيدا من الموارد برواق المولتيميديا أو رواق "الميزانين" الذي يعلو المجال المركزي للعروض الدوريّة. هناك تـُشكّل الوسائط التعلميّة السمعيّة البصريّة، التي تعيد الاعتبار للأفلام أو الصورة الثابتة (Diapositives)  بأجهزة عرضها ثم آلات الفيديو والمحتويات الممغنطة أو الاسطوانات وآلات قراءتها من فئة 33 أو 45 دورة، جزءا هامّا من هذه الأدوات التي كانت مُستعملة للتدريس. وقد عوّضتها اليوم، وكتواصل بنفس الرّواق، الوسائط الرقميّة من أجهزة الكمبيوتر ( (Commodore إلى السبّورة التفاعليّة، مرورا بفضاء الانترنات، ويكوّن هذا الفضاء، بفضل العروض التي يتمّ تقديمها به، مركز استقطاب اهتمام التّلاميذ وكذلك مختلف الزّائرين من الشرائح العمريّة الأخرى. ويمكّن فضاء المولتيميديا هذا روّاده، عبر الأنشطة الثقافيّة المقدّمة من ترويض استمراريّة الزّمن التّربوي بالمسك بطرفية وبجعل الماضي  زمنا حليفا للمستقبل عبر مشاريعه التجديديّة.

ختاما، إنّ زيارة المتحف التعلّمي (أو متحف التربية) تجعل بعض الزّائرين المدركين للبعد الإبستيمولوجي التّاريخي يشعرون أحيانا وكأنّهم يصعدون إلى عالم خيالي أو شاعري لتذوّق قصيدة جميلة أو لتأمّل لوحة من لوحات بيكاسو أو سالفادور دالي... فهي ليست فرصة للاستسقاء من ينابيع مختلف التمثّلات فقط، بل أيضا للاستلهام والتأمّلات الأخرى الخلاّقة. إنها كذلك إثارة للحساسيّة (sensibilité) التاريخيّة عبر الجدليّة الثلاثيّة  للماضي والحاضر والمستقبل : ثلاث لحظات أو أزمنة تنسجم في سنفونيّة عبر تونس المتوسطيّة، أرض الكتابات والمعارف.
  _____________________________________________________________

أنشطة  تقويمية في تعلّميّة التاريخ          III

و البيداغوجيا والمقاربة النّقديّة في التاريخ الإبستيمولوجيا - I    

1) -  أسئلة و أجوبة                                                                       
-      لماذا تعلّميّة التاريخ (مثل تعلّميّة المواد الأخرى) ؟
-      ما علاقة الإبتسيمولوجيا بالتعلّميّة ؟
-      ما علاقة التعلّميّة بعلوم التربية ؟ أو بالبيداغوجيّة ؟
-      ما هي الإضافات في ميدان المعرفة والتصرّف المنهجي والمنطقي فيها؟
           _____________________
·       إن التعلّميّـة هي التّثمين (valorisation ) الإبستيمولوجي (الدراسة العلميّة للمادّة) للتاريخ. فهي التعامل الواعي مع الذاكرة عبر جدليّة الزمن، هي أيضا البحث عن مغزى المعرفة والتصرّف المنطقي فيها. من جانب آخر، تهتم المؤسّسة التّربويّة أكثر فأكثر بالتعلّميّة نظرا وأن هذه الأخيرة تولي أيضا اهتماما كبيرا بتطوير مردوديّة التعليم وتحسين إنتاجية مؤسّساته.
·        علاقة الإبستيمولوجيا بالتعلّميّة هي علاقة عضويّة ثنائيّة تمثل علاقة "الوجه بالقفا" للشيء نفسه. فتمثل الإبستيمولوجيّة "الوجه" أي الأساس، أساس المادّة وتمثل التعلّميّة " القفـا " أي طريقة الاستعمال والتصرّف في هذه المعرفة، فهي تكامليّة. و يرى أيضا بعض المختصّين انّ الإبستيمولوجية تمثل محور التّعلّميّة.
·       علاقة التعلّميّة بالبيداغوجيا هي الامتداد، إذ تصبح البيداغوجيا تعلّميّة لمّا يكون محور الاهتمام يركّز على المحتوى المعرفي للمادّة بهدف تملكه للدّارس (وذلك وفق الوظائف الإبستيمولوجيّة).
·        الإضافات في ميدان المعرفة والتصرّف المنطقي والمنهجي فيها تمثل إضافات الخاص أو الاختصاص (في مستوى المادّة المدروسة أو المدرَّسة) نسبة للعام (في مستوى البيداغوجي المطلق). فقد طوّرت تعلّميّة المواد المردوديّة التعليميّة وكذلك البحث العلمي بالنسبة للمنهجيّة والإبسيمولوجيا ذاتها، أي الدّراسة العلميّة للمادّة. فهنالك جدليّة بين هذه المواد التي تأخذ الدّارس كمحور لها في العمليّة التعلّميّة.
وانطلاقا من مقولة "فاقد الشيء لا يُعطيه" ! تمكّن الإبستيمولوجيا من امتلاك الشيء أو المعرفة وتمكّن التعلّميّة من التّصرّف فيه، وهكذا تستقيم المقولة في اتجاه إيجابي (مالك الشيء يتصرّف فيه!).

      2 ) -  أهميّة الأنشطة التقويمية في عملية تملّك المعارف :                                        
          نظرا وأن التاريخ هو علم المقارنات فيجب :
- استعمال المقارنة التاريخية عوض الاكتفاء بإثبات الحدث،
- ابراز النسبيّة بين المفاهيم (اللغة الوصفية) وبين المصطلحات، أدوات التحليل العلمي في التاريخ،
- الاستئناس بالعلوم الرديفة الحليفة لمادة التاريخ،
- ابراز نسبيّة مقارنة زوايا التأريخ (من أسفل الهرم أو من أعلى الهرم).

     هكذا تتحرر المادة التاريخية من التّلقين (سلطان النّقل) ومن سيطرة الذّاكرة بتأهيل سلطان العقل.

3) - المقاربة النّقديّة في التاريخ :
إن تنشيط الفكر النّقدي عند دارس التّاريخ لا بدّ وان يمرّ عبر مجموعة من التّساؤلات من  صنف :
1) – ما هو التّاريخ وما هي مدارسه ؟
2)– ما هي ابستيمولوجية التاريخ ؟
3) – ما هي تعلّميّة التاريخ ؟
4) – ما هو الحسّ أو الوعي التاريخي ؟
5) – ما هي وظائف المعرفة التاريخية ؟
6 ) – ما هو الهدف من تدريس التّاريخ ونوعيّة العلاقة بين الذّاتية و الغيريّة ؟
7 ) – ماذا يضيف التّاريخ إلى ثقافة التّلميذ أو الطالب وما انعكاسه على سلوكه ؟
8 ) – ما هو الزمن التاريخي ؟
9 ) – ما هو الحدث التاريخي ؟
10) –  ما الفرق بين تدريس التّاريخ حسب المواضيع أو حسب الكرونولوجيا (السلّم     الزمني) ؟
11) – ما هي علاقة الدّرس النّظري بالأشغال المسيّرة في مادة التّاريخ ؟
12) – ما هي مكانة التّاريخ الوطني من تاريخ البلدان الأخرى ؟
13) – ما هي مكانة أو قيمة التّاريخ القديم، الحديث، المعاصر والكلاسيكي (بدل "الوسيط" الذي يهم التاريخ الأوروبّي) مع خلفيّات الحاضر؟
14) – ما هي مكانة التاريخ حسب المواضيع أو المجال (فن، ديانة، حياة اقتصاديّة...) من التاريخ عموما ؟
15) – ما هي مكانة أو قيمة الزّمن والحدث والصف في تدريس التاريخ ؟
16) – هل يجب الاستفادة من الأساطير (الرّوايات التّاريخيّة المختلفة) لصحوة الفكر النّقدي أو تجنّبها ؟
17) – علاقة الفهم بالذاكرة في مادة التاريخ ؟
18) – هل يجب استعمال أو طرح مسائل أو وضعيّات (الوضعيّة المشكل) لتبرير الموضوع أو الدّرس؟
19) – ما هو جدوى استعمال الصّور والوثائق من جداول، خرائط، إحصائيات ورسوم بيانيّة في تدريس التّاريخ؟
20) – استعمال المقارنة التاريخيّة او الاكتفاء بإبراز الحدث وإثباته ؟
21) – مكانة استعمال المفاهيم والمصطلحات في المقاربة التاريخيّة (اللغة الوصفية/لغة المصطلحات العلميّة) ؟
22) – الأبطال يصنعون التّاريخ أم التّاريخ يصنع الأبطال ؟
23) – كيف تكون حصة التاريخ حيّة ونشطة (ذات جدوى) ؟
24) – كيف تكون المعرفة التّاريخيّة مسطّحة وبدون تضاريس (compilation) أي مفتقرة للخلاصات ؟
  
4) -  مقولات تعلّميّة مأثورة (للتّأمل) :
- سئل أفلاطون : "لما كلّما علّمتم كانت عنايتكم بالتّعلّم أشدّ" ؟  فأجاب : "لأنّنا كلّما ازددنا معرفة، ازددناها بمنفعة التّعلّم"
- « l’esprit de l’homme n’est pas un vase qu’on remplit, mais un feu qu’on allume » [Montaigne, dernier tiers du 16ème siècle – fin de la Renaissance] 
- « Mieux vaut avoir une tête bien faite qu’une tête bien pleine !» [Montaigne]
- « Le savant n’est pas l’homme qui fournit les vraies réponses, c’est celui qui pose les vraies questions » [Claude Lévi Strauss – Philosophe et anthropologue]
- «  Enseigner, c’est apprendre à savoir, à raisonner, à savoir faire et à faire savoir »
- « Enseigner, c’est apprendre à raisonner, alors qu’inculquer c’est apprendre à mémoriser ».  [Louis Pauwels]


____________________________________________

  فـي إبستيمولوجـيا وتعلّميّـة التاريـخ منهجيـّة التأليـف - II

1)   -  المقـال :
§      التّقديـم  :
-      تقديـم الموضوع بوضعه في إطاره العامّ مع طرح الإشكاليّة التي يتضمّنها. (ولا تعني الإشكاليّة التساؤلات، بل المصطلحات والطروحات التي تنتظر التأكيدات أو التفنيد أو النسبيّة).
§       الجـوهر :
-      التطرّق إلـى البعد الإبستيمولوجـي للموضـوع والتركيب المعرفـي  (mise en scène des savoirs
-      التطرّق إلى موضوع التصرّف في المعرفة التاريخيّة وطرق تملّكها من طرف الدّارس وكذلك أداء المدرّس.
§       الخـاتمة :
   - العلاقة الإبستيمولوجيّة / التّعلّميّة في مستوى الموضوع المطروح،
-      النتائج المنتظرة التي ينتهي إليها الموضوع والقضايا التي يمكن أن يطرحها.
   2) -   الوثيـقة :
§       التّقديـم  :
-      تقديـم الوثيقة الإبستيمولوجيّة أو التعلّميّة : نوعيّة الوثيقة – المؤلّف – المرجع – الظرفيّة - الفكرة العامّة – الإشكاليّة  التي تطرحها ( اللّغز أو التناقض وليس الأسئلة التي تؤدّي حتما إلى الوصف أو السّرد).
 
§       جـوهر التّحليل :
-      تناول عناصر الوثيقة من الزّاوية الإبستيمولوجيّة ثم الزّاوية التعلّميّة، انطلاقا من الأسئلة المصاحبة (إن وجدت) أو من الإشكاليّة المطروحة.
§       الخـاتمة :
-       القيمة الإبستيمولوجيّة والتعلّميّة للوثيقة،
-      النّتائج التي تمّ التّوصّل إليها والآفاق التي تنطلق منها (الأبعاد المباشرة المرتقبة).

________________________________________________________________

-  IV        وثائق ملحقة

À quoi sert la didactique ?
                                                                                                                                                                       Gérard Vergnaud [6]                                                                                                        
La didactique étudie chacune des étapes de l'acte d'apprentissage et met en évidence l'importance du rôle de l'enseignant, comme médiateur entre l'élève et le savoir... De l'épistémologie des disciplines aux avancées de la psychologie cognitive, c'est l'ensemble du processus construisant le rapport au savoir qui est analysé.

La question du rapport au savoir ne peut pas être bien analysée si n'est pas posée la question de la valeur opératoire de ce savoir. Les savoir-faire sociaux, la maîtrise du langage écrit, les connaissances mathématiques peuvent et doivent trouver leur fonctionnalité en situation ; la forme verbale et discursive de la connaissance n'est pas suffisante. C'est donc à la lumière de la pédagogie et de la didactique des situations qu'il faut aborder le rapport au savoir, qui est effectivement au centre du rapport à l'école, du rapport à la formation, à l'apprentissage, y compris dans l'apprentissage sur le tas. 
On oppose trop rapidement l'école à l'apprentissage sur le tas. Il y a de bonnes raisons à cela. Mais il y en a de mauvaises : d'une part, l'école offre des opportunités d'apprentissage, y compris des situations, que n'offre pas la vie quotidienne extra-scolaire ; d'autre part, l'analyse des activités de travail montre que les hommes et les femmes ne tirent pas un égal profit de l'expérience. Cette inégalité résulte pour une part non négligeable des différences entre individus dans leur rapport au savoir. Agir pour transformer l'école, c'est aussi appeler à terme la transformation du travail et de la vie. 
Avec l'élévation du niveau de compétence et de culture exigé dans la société actuelle, la fonction de transmission de la culture assignée à l'école est devenue capitale. Dans les processus traditionnels de transmission des pratiques, par accompagnement de l'activité des enfants dans la famille, ou par compagnonnage dans les entreprises, la question de la didactique ne se pose guère, sinon à travers la complexité plus ou moins grande des tâches confiées à l'apprenant : plus simples au début et progressivement plus délicates.
Mais, à l'intérieur de l'institution scolaire, comment transposer les situations et problèmes qui ont donné ou qui donnent leur sens aux connaissances scientifiques, techniques, sociales, artistiques, constitutives de la culture aujourd'hui ? Comment favoriser l'accès à ces savoirs et savoir-faire organisés que sont les disciplines et les professions ? A l'école, il faut des mises en scènes particulières pour que le jeune enfant aperçoive la fonctionnalité de la lecture et de la compréhension de texte, de l'arithmétique et de la géométrie, de la biologie et de l'histoire, de l'éducation physique et de la musique.
 La didactique est née du souci de répondre à ces problèmes, en s'attachant aux contenus des savoirs et savoir-faire, et aux difficultés spécifiques que ces contenus peuvent soulever : différentes d'une discipline à l'autre, d'un domaine d'activité à un autre à l'intérieur de la même discipline. La didactique ne s'oppose pas à la pédagogie, elle va simplement au-delà, par un souci plus grand d'analyse du contenu des activités mises en jeu dans l'apprentissage, notamment des opérations de pensée que ces activités impliquent. C'est pourquoi cette discipline s'appuie d'une part sur la psychologie du développement cognitif, et d'autre part sur l'épistémologie des disciplines, indispensable à l'analyse du contenu des connaissances.
La psychologie du développement est convoquée par la didactique, parce que les compétences progressivement formées par l'enfant au cours de ses apprentissages sont partiellement ordonnées, partiellement indépendantes, partiellement complémentaires. Il est donc indispensable de disposer d'une description analytique des cheminements de l'enfant dans la diversité des situations et des opérations de pensée nécessaires pour les traiter.
Les premières situations d'addition comprises par les enfants correspondent à l'accroissement connu d'une quantité initiale connue (j'avais 12 billes, j'en gagne 5, combien en ai-je maintenant ?), ou à la réunion en un tout de deux parties dont le cardinal est connu (6 filles, 7 garçons, combien d'enfants en tout ?). Mais il existe de nombreuses autres occasions de devoir choisir une opération d'addition : 
- retrouver un état initial inconnu lorsqu'on a dépensé 7 euros pour acheter un gâteau, et qu'on a maintenant 6 euros en poche ;
- retrouver l'âge du cousin, si l'on sait qu'on a 5 ans de moins que lui et qu'on a 8 ans ;
- calculer le montant du versement à effectuer sur le compte d'un ami pour lui permettre d'honorer une facture de 1 640 euros, alors que son compte indique un débit de 470 euros.
Les relations qui appellent le choix d'une addition, d'une soustraction, ou d'une combinaison d'additions et de soustractions sont très nombreuses. Elles sont maintenant assez bien connues : certains cas sont maîtrisés par la quasi-totalité des enfants à la fin du cours préparatoire, d'autres donnent encore lieu à des échecs durables à la fin du collège et chez les adultes. 
Prenons un autre exemple, celui de l'histoire. Se représenter les temps préhistoriques, le monde romain ou la Révolution française n'est pas chose évidente. Il n'est pas non plus aisé, pour un élève de cours moyen, de se figurer les durées, les périodes historiques et leurs caractéristiques. 
Epistémologie et pédagogie
Quelles sont les raisons des choix des auteurs de manuels et des enseignants lorsque ceux-ci présentent la Renaissance tantôt comme une révolution scientifique et artistique touchant principalement l'Italie et la France, tantôt comme une période historique comportant de sombres aspects comme les guerres de religion ? La Renaissance est-elle d'ailleurs une vraie période historique ? Ou bien simplement le début des Temps modernes ? Sur quels critères les historiens fondent-ils leurs choix ? Et sur quels critères les enseignants vont-ils fonder le leur, pour retenir les interprétations de tel courant historiographique ? 
On le voit, la didactique est aussi étroitement liée à l'épistémologie des disciplines qu'à la psychologie du développement cognitif. On entend ici par épistémologie la relation entre les questions que se pose un scientifique (ou un professionnel) et les connaissances qui répondent à ces questions. C'est un sens relativement limité du terme épistémologie, mais il est opératoire, en ce sens qu'il permet justement de se demander comment transposer, à l'intérieur de l'école, les questions que se sont posées les hommes au cours de l'histoire.
 
        Ces questions sont à la fois pratiques et théoriques, et les mises en scène que les enseignants peuvent imaginer pour intéresser les enfants à apprendre, concernent tout aussi bien les savoir-faire comme l'utilisation des instruments en géométrie ou la manière de réunir une documentation en histoire, que les savoirs mis en forme dans des énoncés et des textes comme le théorème de Pythagore ou la connaissance des principales idées nouvelles de la Révolution française.

 On peut même dire que l'orientation principale des didactiques aujourd'hui, dans la mesure précisément où leur but principal est d'entraîner le mieux possible les élèves dans des activités productives de connaissances, consiste à leur proposer des situations calculées dans ce but, et à leur offrir ainsi l'occasion d'un questionnement correspondant à leurs possibilités : observer par exemple les étapes de la croissance et de la reproduction végétale ; ou encore faire un montage électrique miniature. Cette mise en scène calculée est souvent désignée sous le terme de « transposition ».

Dans le processus d'appropriation et de maîtrise des connaissances, les savoir-faire ont une importance essentielle. L'accent mis sur les compétences aujourd'hui, dans les entreprises et dans le système d'éducation et de formation, signifie que la forme opératoire de la connaissance, celle qui est mise en œuvre en situation de travail, en situation de résolution de problème, ou face à un événement imprévu, est le critère véritable de la connaissance.

La forme discursive et prédicative que prend la connaissance dans des énoncés et des textes (textes scientifiques, modes d'emplois ou recettes de cuisine), ne peut pas véritablement entrer en compétition avec la forme opératoire. On peut connaître par cœur certains théorèmes de mathématiques et être incapable de les mettre en œuvre dans les situations où ils sont pertinents ; on peut connaître par cœur d'excellentes recettes de cuisine et être un piètre cuisinier. Cela ne signifie nullement que les théorèmes et les recettes sont des aspects négligeables de la connaissance et de la culture, mais ils sont radicalement insuffisants pour comprendre ce qu'est la culture et ce qu'est la connaissance.

Le concept de « rapport au savoir » doit donc être largement examiné et analysé à la lumière des différences, des convergences et des complémentarités entre la forme opératoire de la connaissance, qui permet d'agir en situation, et la forme prédicative qui permet de mettre en mots, en énoncés et en textes, les objets du monde, leurs propriétés, leurs relations et leurs transformations.
Ces objets et relations sont parfois directement accessibles par la perception ; mais le plus souvent, dans une culture élaborée comme celle des sociétés contemporaines, ils résultent d'une construction patiente et laborieuse dans l'histoire. Pour l'enfant, la difficulté est de refaire, avec l'aide d'autrui et notamment de l'enseignant, une partie de cette construction. L'apprentissage des sciences et des techniques ne passe pas par toutes les étapes de la construction historique, heureusement ! Mais les principales difficultés conceptuelles rencontrées au cours de l'histoire sont presque inévitablement au rendez-vous dans l'apprentissage.

Il a fallu plusieurs siècles aux mathématiciens pour considérer les nombres négatifs comme des nombres et pas seulement comme des artifices algébriques. On ne peut pas s'attendre que les élèves évitent totalement cette difficulté. Il a fallu plusieurs millénaires aux astronomes et aux physiciens du mouvement pour concevoir la force comme une grandeur indépendante de la vitesse; il a fallu des siècles aux historiens et aux sociologues pour identifier des acteurs sociaux autres que les individus dans un processus historique, et aux biologistes pour découvrir la sexualité végétale. Comment les élèves pourraient-ils entrer de plain-pied dans les conceptualisations sous-jacentes à ces phénomènes ?

Déconstruire pour construire
La didactique est d'une certaine manière une provocation, puisqu'il faut souvent déstabiliser les croyances des élèves qui reposent sur l'intuition, c'est-à-dire sur une lecture et une interprétation insuffisamment critiques de l'expérience. Provoquer l'enfant dans ses conceptions, c'est l'obliger à s'adapter à des phénomènes imprévus et même imprévisibles. « La connaissance est adaptation », nous a enseigné Piaget. Mais s'adapter, c'est rencontrer le nouveau ; et c'est l'un des actes principaux de médiation de l'enseignant que d'aménager cette rencontre des élèves avec le nouveau. Surgit alors une question théorique capitale. A quoi s'adapte-t-on ? Et qu'est-ce qui s'adapte ?

La meilleure réponse aujourd'hui, à la lumière des recherches en didactique et des recherches sur le développement des compétences dans le travail, est que nous nous adaptons à des situations et que ce sont les formes d'organisation de notre activité qui sont l'instrument et le résultat de cette adaptation.

Ces formes d'organisation, appelées schèmes par les psychologues et notamment Piaget, concernent en fait tous les registres de l'activité :

- les gestes ordinaires, les gestes du sportif, les gestes de la danseuse, les gestes de l'artisan ou de l'ouvrier d'élite ;
- les formes de raisonnement et de prise d'information impliquées dans la résolution de problèmes scientifiques et techniques comme le diagnostic et le dépannage d'une voiture ou d'une machine à laver, la conception d'un nouvel objet, l'élaboration d'une nouvelle pratique ;
- les formes d'énonciation orale qui interviennent dans un exposé en classe, dans une conférence scientifique, dans un discours politique ; et dans les dialogues par lesquels une maman gère la communication avec son jeune enfant, un enseignant avec sa classe, un chef de service avec ses collaborateurs ;
- les formes d'interaction sociale et affective avec lesquelles nous développons le tissu indispensable de nos émotions et de nos sentiments : à l'égard des autres et à l'égard des activités dans lesquelles nous sommes engagés (travail, conversation, vie associative, etc.).

A l'école, quand une situation est aménagée par un enseignant dans un but d'apprentissage relativement délimité (le traitement d'une situation mathématique, une petite enquête sur la visite d'un musée ou sur l'histoire locale), les élèves apprennent des choses non seulement en mathématiques ou en histoire, mais aussi dans le domaine de l'interaction langagière et sociale, et dans le domaine de la production écrite. L'école ne fait pas qu'instruire, elle éduque et c'est bien qu'il en soit ainsi !

Mais si l'on veut progresser dans l'aide apportée aux élèves, notamment lorsque l'apprentissage se heurte à des difficultés durables, il faut analyser un peu plus en profondeur les caractéristiques de l'activité demandée aux élèves, et les caractéristiques des situations qui leur sont proposées. On a besoin alors de décomposer, par l'analyse, cette totalité fonctionnelle dynamique qu'est le schème : comme un entraîneur sportif dissèque les composantes d'un geste ou d'une phase de jeu, pour aider le champion à améliorer sa compétence et sa performance, comme un professeur d'art dramatique aide la candidate actrice à jouer une scène et à rendre plus distincte son élocution, ou encore comme un ingénieur expert aide un jeune ingénieur à concevoir un dispositif nouveau et à surmonter les pièges techniques dans lesquels il pourrait tomber.
On peut identifier quatre catégories d'éléments dans un schème :
- le but, qui se décline en sous-buts et en anticipations au fur et à mesure que l'activité se déroule, ou doit se dérouler. Pour résumer un récit (but), identifier les différentes parties (sous-buts) ; au football, faire en sorte que l'équipe marque un but entraîne plusieurs progressions possibles des joueurs et du ballon;
- les règles d'action, de prise d'information et de contrôle qui engendrent le décours temporel de l'activité au fur et à mesure. Dans la lecture d'un texte, il faut repérer les informations importantes et relier entre elles les parties retenues ; au football, il faut analyser très vite les positions des joueurs, agir en conséquence, contrôler les évolutions...
- les invariants opératoires : c'est-à-dire les concepts-en-acte qui permettent de prélever l'information et de sélectionner celle qui est pertinente ; et les théorèmes-en-acte, ou propositions tenues pour vraies dans l'activité, sur lesquels repose en dernier ressort l'organisation de l'action, de la prise d'information, de l'anticipation et du contrôle. La compréhension de texte fait intervenir beaucoup de connaissances : structure d'un récit, moyens linguistiques et rhétoriques permettant d'assurer à la fois la continuité et la surprise ; au football, la connaissance des phases de jeu classiques, l'anticipation des possibles...
- les possibilités d'inférence, qui sont justement la clef des adaptations en situation, et sans lesquelles les schèmes ne seraient que des stéréotypes, incapables de s'adapter au nouveau. Le résumé n'est jamais la même tâche d'un texte à l'autre, il faut donc des inférences pour traiter les différents textes avec les mêmes schèmes de compréhension et de résumé ; au football, une phase de jeu ne se répète jamais à l'identique, il faut, et cela très rapidement, faire des inférences en situation. 
Si l'école veut offrir aux élèves des situations qui leur permettent d'exercer des schèmes déjà formés, d'en élargir la portée et d'en préciser les limites, et en même temps de développer des schèmes nouveaux, alors la première qualité professionnelle de l'enseignant consiste à choisir à bon escient les situations d'enseignement, au regard de l'épistémologie de la discipline concernée et de la psychologie de l'apprentissage et du développement. C'est aussi un premier acte de médiation entre la culture et l'enfant. 
La nécessaire médiation

Mais les actes de médiation des enseignants ne s'arrêtent évidemment pas là. C'est sur chacune des composantes du schème que l'enseignant intervient en fait : pour aider les élèves ou un élève particulier qui serait en difficulté. Lorsqu'on analyse les activités de l'enseignant dans le quotidien de la classe, on observe de multiples exemples d'actes de médiation et de tutelle, qui portent sur le but et les sous-buts (que les élèves n'aperçoivent pas toujours bien); sur les informations qu'il est pertinent de sélectionner et d'utiliser; sur l'organisation dans le temps des étapes de l'activité, notamment des prises d'information, des opérations de transformation de la réalité matérielle et sociale, des contrôles, de l'évaluation de la situation et du résultat obtenu.
 
Dans la saisie et l'utilisation des informations, l'élève peut ne pas disposer des concepts et catégories les plus opératoires. Les actes de médiation de l'enseignant concernent donc aussi, et au premier chef, les formes de conceptualisation sous-jacentes à l'activité attendue de l'élève. 
Parfois, les conceptualisations de l'élève ne correspondent pas à celles de l'enseignant, soit parce qu'elles sont erronées, soit parce qu'elles reflètent un autre point de vue que celui de l'enseignant, tout en étant opératoires également. L'enseignant ne doit évidemment pas confondre les deux cas. Les actes de médiation sont différents s'il faut partir d'une démarche erronée ou d'une démarche acceptable. 
Il existe en effet souvent plusieurs démarches correctes alternatives. C'est là encore un acte de médiation essentiel que de faire comprendre aux élèves ces alternatives, éventuellement d'expliquer pourquoi telle manière de faire est meilleure que telle autre, ou bien que plusieurs manières sont équivalentes, ou encore que telle manière est meilleure dans certains cas, moins bonne dans d'autres. 
En dernier ressort, un élève accroît sa compétence lorsqu'il dispose d'un éventail de ressources, toutes disponibles et acceptables, pour faire face à la plus grande variété possible des situations qu'il sera amené à rencontrer.
 
 
_____________________________________________________________________
ببليوغرافيا


قائمة في أهم المراجع  :

1)    -   استوغرافية (تاريخ التأريخ)
-      على أميل،  الخطاب التاريخيدراسة في منهجيّة ابن خلدون
-      عبد الله العروي، مفهوم التّاريخ، بيروت، المعهد الثقافي العربي 1992 جزءان: الألفاظ والمذاهب والمفاهيم والأصول
-      شاكر مصطفى، التاريخ العربي والمؤرخون، بيروت.
-      النّوري عبد العزيز،في نشأة علم التاريخ عند العزب، بيروت 1960.
-      روزنتال فرانز، مناهج العلماء المسلمين،ترجمة سالم أحمد- بغداد، 1961.
-      أنيس فريحة، علم التّاريخ عند المسلمين،ترجمة سالم أحمد – بغداد، 1963.
-      سالم السيد، التأريخ و المؤرخون العرب القاهرة: دار النّهضة العربيّة، 1981.
-      بارنز(هاري)، تأريخ الكتابة التاريخية ترجمة محمّد عبد الرحمان، القاهرة: الهيئة المصريّة للكتاب،1987،(جزءان).
- Carr (Eh).Qu’est – ce que l’histoire ? Paris : La découverte ,1988.
- Langlois (ch.v) et Seignobos (ch.),   Introduction aux études historiques, Paris, 1898 et 1992.
- Bourde (G).Les Ecoles historique. Paris : Seuil, 1983
- Tuiller (G).La Méthode en histoire. Paris : PUF, 1986.
- Nouschi (A), Initiation aux sciences historique. Paris : Nathan ,1969.
- Talbi, Mohamed, Ibn Khaldoun et l’histoire, - Tunis : MTE, 1973.
- Samaran (Dir), L’histoire et ses méthodes, Paris : Encyl.de la Pléiade, 1961.
- Tlili, Béchir.  « Note sur des questions d’historiographie tunisienne" in Revue Tunisienne.des Sciences sociales, n°24, Mars 1971.

2) – تعلّميّة التاريخ :Voir « Bibliographie spécialisée en Didactique de l’Histoire » au moyen du  moteur de recherche « google ».


[1]  بالنسبة لنفس الفترة، فيما يهم المجال العربي والإسلامي، يجب استعمال مصطلح التاريخ الإسلامي الذي لم يشهد نمط إنتاج عبودي و إقطاعي...
[2]  ومنذ نهاية القرن العشرين (بداية العولمة) أصبح الحديث عن التاريخ الآني أو ما بعد المعاصرة...
[3]  المصطلح (concept) هو الدلالة العلمية للكلمة وهو أداة التّحليل العلمي، بينما المفهوم (notion) يرتبط بالصورة الذهنيّة الذاتيّة التي نحملها على شيء ما وهو أداة الوصف.
[4] هو أبو عمر محمد بن يوسف الكندي من عشائر كندة التي نزحت إلى مصر بعد انتشار الإسلام بها.
[5] التعلّم الذاتي : هو من أهمّ أساليب التعلّم التي تتيح توظيف مهارات التعلّم بفاعليّة عالية ممّا يسهم في تطوير الإنسان سلوكيّا ومعرفيّا ووجدانيّا، وهو نمط من أنماط التعلّم الذي نُعلّم فيه التلميذ كيف يتعلّم ما يريد هو بنفسه أن يتعلّمه. إنّ امتلاك وإتقان مهارات التعلّم الذاتي تمكّن الفرد من التعلّم في كل الأوقات وطوال العمر خارج المدرسة وداخلها وهو ما يعرف بالتربية المستمرّة.

[6]  Directeur de recherche au CNRS. Auteur de : Apprentissages et Didactiques. Où en est-on ?, Paris : Hachette, 1994.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire