samedi 11 juin 2022

 

11جوان 2022

الفاضل الجبابلي: باحث في تعلمية التاريخ ، مرحلة دكتورا.       

 

وجهة نظر

ككل سنة تظهر على شبكة التواصل الاجتماعي عدة أراء حول ظاهرة الغش في امتحان الباكالوريا . بعض الآراء تربط هذه الظاهرة بتدني المستوى العلمي و المعرفي للتلاميذ. البعض الآخر يربطها بعقلية التواكل وعدم رغبة التلميذ في الدراسة بفعل انغلاق آفاق التشغيل. هذه الأسباب يمكن اعتبارها موضوعية الى حد ما . في الحقيقة انا اعتبر ظاهرة الغش في الامتحان تعبير عن تحيّل ممنهج يتعرض له التلميذ طيلة سنوات الدراسة في المرحلة الثانوية، وهنا سأركز على الأقل على مادة التاريخ. ففي امتحان الباكالوريا يطالب التلميذ من خلال الأسئلة الموجهة إليه بتوظيف عدة قدرات فكرية في غالب الأحيان لم يتدرّب على تملّكها بالشكل الكافي طيلة سنوات دراسته في المرحلة الثانوية مثل التحليل، التفسير، النقد، بناء المصطلحات، المقارنة، الحجاج، التقييم، إبداء الرأي، التأليف و غيرها من القدرات الفكرية. وهنا أتساءل هل يتدرب التلميذ على تملك هذه الكفايات في القسم؟ هل تعطي البرامج الرسمية حيزا هاما من الوقت للمدرسين لتدريب تلاميذهم على هذه العمليات الفكرية والتي هي من صميم عمل المؤرخ ؟ هل الممارسات التعليمية التّعلّمية للمدرسين في القسم تقوم على تنمية الفكر التاريخي للتلاميذ وقدراتهم النقدية؟ هل تغيّر هذه الممارسات من علاقة التلميذ بالمعرفة، هل تنبني على إشكاليات ورهانات؟ هل النظام التقييمي للمادة يعطي أهمية للتفكير التاريخي؟ هل تعتمد كتبنا المدرسية على مقاربات ابستيمولوجية وديداكتيكية بنائية؟ هل يهتم الفاعلون في العملية التربوية بديداكتيك و ابستيمولوجيا التاريخ؟ أم فقط بالبيداغوجيا والتي تختصر على الاهتمام بعلاقة المدرس بالتلاميذ وبالوسائل التعليمية ( من استعمال للسبورة، والألوان، والكتب المدرسية، ووسائل الاتصال والمعلوماتية، ...) و التي أراها محدودة التأثير على قدرة التلميذ على بناء معارفه بطريقة مستقلة. في الحقيقة الإجابة عن هذه الأسئلة هي بالنفي. فالممارسات في القسم - بفعل عدة ظروف ومنها تخلّف البرامج الرسمية، ضغط الوقت، ضعف التكوين للمدرسين احيانا، تخلّف النظام التقييمي،.. - لا تعدو ان تكون الا عملية تعليمية و ليس تعلّمية ، اي بمعنى اخر هي عملية تلقين لمعلومات وسرديات تاريخية جاهزة من صنع الأستاذ، مؤلفي الكتب المدرسية او بعض المؤرخين في إطار درس إملاء. ما يتعلمه التلميذ في القسم هو في الحقيقة كفاية الحفظ و التذكّر . إذن نحن لا نعلّم تلاميذنا التفكير التاريخي العقلاني المبني على التساؤلات و على منهج علمي. نحن لا نعلمهم النقد والإبداع الفكري . انأ أدعو الكثير أن يسال التلاميذ السؤال التالي: هل تحب المسلسلات التاريخية، والأفلام التاريخية ، القصص التي تحكي مغامرات الأبطال؟ الكثير سيجيب بنعم. أما إذا ما طرحتم عليهم السؤال التالي : هل تحب مادة التاريخ،؟ أكيد الكثير من التلاميذ سيجيب ب " لا". إذا من هو المسؤول عن ظاهرة الغش؟

الخلاصة التي يمكن أن أسوقها في الأخير، و التي يدركها الكثير من مدرسي مادة التاريخ ،هي عملية التحيّل التي يتعرض إليها أبناءنا التلاميذ في هذه المادة بفعل واقع البرامج الحالية.